قد كان لانتشار مذهب الأشعري تأثير خاص في إبعاد الإمام أحمد عن ساحة العقائد ، وأفول إمامته في الأصول ، وانزوائه في كثير من البلدان وإقامة الأشعري مقامه . فصار الفرع الذي اشتق من الأصل المذهب الرسمي لأهل السنة . وبلغت إمامة الفرع إلى الحد الذي كلما أطلق مذهب أهل السنة لا يتبادر منه إلا ذلك المذهب أو ما يشابهه كالماتريدية .
يقول المقريزي بعد الإشارة إلى أصول عقيدة الإمام الأشعري : « هذه جملة من أصول عقيدته التي عليها الآن جماهير أهل الأمصار الإسلامية ، والتي من جهر بخلافها أريق دمه » (١) .
نعم ، بلغ الإمام الأشعري قمة الإمامة في العقائد من دون أن يمس إمامة أحمد في الفروع ومرجعيته في الفتيا ، كيف وهو أحد المذاهب الأربعة الرسمية بين أهل السنة إلى الآن في العواصم الإسلامية ، لكن لا في نطاق واسع بل في درجة محدودة تتلو إمامة أبي حنيفة والشافعي ومالك .
لقد اهتم بعض الحنابلة ـ أعني أحمد بن تيمية الحراني الدمشقي ( المتوفى عام ٧٢٨ هـ ) ـ بإحياء مذهب السلفية على المفهوم الذي كان رائجاً في عصر الإمام أحمد وقبله وبعده إلى ظهور الأشعري فأصر على إبقاء أحاديث التشبيه والجهة بحالها من دون توجيه وتصرف وهاجم التأويلات التي ذكرها بعض الأشاعرة في كتبهم حول تلك الأحاديث . ولكنه لم يكتف بمجرد الإحياء ، بل أدخل في عقائد السلف أموراً لا ترى منها أثراً في كتبهم ، فعد السفر لزيارة الرسول الأعظم بدعة وشركاً كما عد التبرك بآثارهم والتوسل بهم شيئاً يضاد التوحيد في العبادة . وقد ضم إلى ذينك الأمرين شيئاً ثالثاً وهو إنكار كثير من الفضائل الواردة في آل البيت ، المروية في الصحاح والمسانيد حتى في مسند
____________________
(١) الخطط المقريزية : ج ٢ ص ٣٩٠ .