تصوير لما يملكه من الفكر الذي ورثه عن المعتزلة حينما كان منتهجاً مناهجهم .
وبما أن الإمام الأشعري قد قضى شطراً كبيراً من عمره بين أهل الفكر والتعقل فلذا أخذ بالتعديل والتهذيب في عقائد المذهب الأم ـ أهل الحديث ـ وما قام به من العملية العقلية وإن أغضبت ثلة من الحنابلة وأهل الحديث ، حتى إن كبير الحنابلة ( البربهاري ) في ذلك الوقت لم يقبل دفاع الشيخ الأشعري عن عقائد أهل السنة بالبرهنة والاستدلال ، ولكن النفوس المستعدة المتنورة تأثرت بمنهج الإمام الأشعري ، وزاد الإقبال عليه وتوفر الثناء على فكرته .
وعلى ضوء منهجه ألف الإمام البيهقي (١) صاحب السنن الكبرى كتاب « الأسماء والصفات » وعالج فيه كثيراً من روايات التشبيه والتجسيم ، كما قام ابن فورك (٢) بتأليف كتاب « مشكل الحديث وبيانه » ، كل ذلك على الخط الذي رسمه الأشعري في تنزيهه سبحانه .
____________________
(١) هو الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ( المتوفی عام ٤٥٨ هـ ) وطبع كتاب « الأسماء والصفات » في مصر بتصحيح الشيخ محمد زاهد الكوثري . ومن المأسوف عليه أن يد الخيانة أسقطت مقدمة الأستاذ الشيخ سلامة العزامي الشافعي عند إعادة الطبع بالأفست وما هذا إلا لأن المقدمة كانت على ضد السلفية والوهابية .
(٢) هو أبو بكر محمد بن حسن بن فورك ( المتوفى عام ٤٠٦ ) له ترجمة في تبيين ابن عساكر : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ .
يقول المقريزي في خططه ( ج ٢ ص ٣٥٨ ) في بيان حقيقة المذهب الأشعري : إنه سلك طريقاً بين النفي الذي هو مذهب الاعتزال ( نفي الصفات الخبرية كاليد والوجه ) ، وبين الإثبات الذي هو مذهب أهل التجسيم وناظر على قوله هذا واحتج لمذهبه فمال إليه جماعة وعولوا على رأيه ، منهم القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني المالكي ، وأبو بكر محمد بن الحسن بن فورك ، والشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن مهران الإسفرائيني ، والشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ، والشيخ أبو حامد محمد بن أحمد الغزالي ، وأبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني ، والإمام فخر الدين محمد بن عمر بن حسين الرازي وغيرهم ممن يطول ذكره ونصروا مذهبه وناظروا عليه وجادلوا فيه واستدلوا له في مصنفات لا تكاد تحصر فانتشر مذهب أبي الحسن الأشعري في العراق من نحو سنة ثمانين وثلاثمائة وانتقل منه إلى الشام ـ إلى آخر ما ذكره .