ويعدم ، ويعاب فيها التفكير في العقائد والمعارف ، ويكتفى عن التدبر في الذكر الحكيم ، بالبحث عن القراءات السبع أو العشر ويعرف الاستدلال والإمعان في الكتاب العزيز بأنه تأويل باطل ، بل كفر وزندقة ، ويفسح المجال للمتظاهرين بالإسلام من الأحبار والرهبان ليقوموا بنشر قصص الأولين وأساطير الآخرين ـ ففي تلك الظروف ـ لا تظهر على مسرح العقائد ، إلا عقائد الطوائف المنحرفة ، ولا غرو حينئذٍ في أن يصور إله العالم بصورة موجود مادي ذي جهات وأبعاض وأيدٍ وأرجل ، له تكلم وضحك وما يضاهي هذه النظريات .
وقد جاء بعض الخلف محاولاً تصحيح هذه المأثورات ، بإضافة « بلا كيف » عقيب هذه الصفات ، ولكن المحاولة فاشلة جداً ، فإن مرجعها إلى أنه سبحانه جسم بلا كيف ، ولا يختلف التعبيران إلا في الصراحة والكناية .
ومن
العقائد الغريبة التي ظهرت في أواخر القرن الثاني ، كون كلامه سبحانه قديماً غير مخلوق ، وقد تلقاه أهل الحديث أمراً مسلماً ، وكان اللائق بمنهجهم هو السكوت ، لاعترافهم بعدم ورود نص من رسول الله فيها ، ولكنهم اعتنقوا هذه العقيدة اعتناقاً وثيقاً لم ير مثله في سائر المسائل ، حتى استعدوا في طريقه لتقديم التضحيات الثمينة ، من شتى أنواع الضرب والحبس والتقيد ، وذلك عندما عزم المأمون على ردعهم عن القول بقدم القرآن ، فاستتاب أهل الحديث منه ، فاستجاب بعضهم دون بعض وممن أظهر الصمود والثبات على تلك العقيدة إمام الحنابلة أحمد بن حنبل . وقد ضرب في عصر الخليفة المعتصم فلم يرتدع ، فصار ذلك سبباً لاشتهار الرجل بينهم وبلوغه قمة الإمامة في العقائد والسنة واكتسابه مكانة مرموقة بين الناس . فصارت السنة ما أمضاه الإمام ، والبدعة ما هجره ، فراجت رسائله وكتبه التي ألفت باسم عقيدة أهل السنة وكانت الرئاسة في باب العقائد منحصرة به إلى أن ظهر الإمام الأشعري تائباً عن الاعتزال ، معلناً التحاقه في العقائد بالإمام أحمد ، وعد نفسه مدافعاً عن عقائد أهل السنة تارة بالنصوص والأحاديث ، وأخرى بالاستدلال والبرهنة : فألف في بداية الالتحاق كتاب « الإبانة » وهو تصوير خاص لرسائل إمام مذهبه ، كما ألف في الفترة الأخرى كتاب « اللمع » وهو