وقد صار عمل الخليفتين سنة ، فمشى عثمان مشيهما ، ولكن بصورة محدودة وقال على المنبر : « لا يحل لأحد يروي حديثاً لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر » (١) .
كما أن معاوية اتبع طريقة الخلفاء الثلاث فخطب وقال : « يا ناس أقلوا الرواية عن رسول الله وإن كنتم تتحدثون فتحدثوا بما كان يتحدث به في عهد عمر » (٢) .
حتى أن عبيد الله بن زياد عامل يزيد بن معاوية على الكوفة ، نهى زيد بن أرقم الصحابي عن التحدث بأحاديث رسول الله (٣) .
وبذلك أصبح ترك كتابة الحديث سنة إسلامية ، وعدت الكتابة شيئاً منكراً مخالفاً لها .
هذه هي بعض الأقاويل التي رواها أصحاب الصحاح والسنن وفي نفس الوقت نقلوا أحاديث تناقضها وتأمر بكتابة الحديث والسنة كما ستوافيك .
كيف يسمح العقل والمنطق أن يحكم بصحة الأحاديث الناهية عن الكتابة ، مع أن الرسول ( صلی الله عليه وآله وسلم ) أمر في أخريات حياته أن يحضروا له قلماً ودواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً ! وما كان المكتوب ( على فرض كتابته ) إلا حديثاً من أحاديثه فقد روى البخاري عن ابن عباس أنه قال : « لما اشتد بالنبي وجعه قال : ايتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ، قال عمر : إنّ النبيّ ( صلّی الله عليه وآله وسلّم ) غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا . فاختلفوا وكثر اللغط قال : قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع فخرج ابن عباس يقول : الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه » (٤) .
____________________
(١) كنز العمال ، ج ١٠ ص ٢٩٥ ، ح ٢٩٤٩٠ .
(٢) كنز العمال ، ج ١٠ ، ص ٢٩١ ، ح ٢٩٤٧٣ .
(٣) فرقة السلفية ص ١٤ ، نقلاً عن مسند الإمام أحمد .
(٤) البخاري ، كتاب العلم ، باب كتابة العلم : ج ١ ص ٣٠ .