فلأجل ذلك يتطلعون إلى تلك العهود تطلع الصائم إلى الهلال ، والظامیء إلى الماء .
لكن الدعايات الخاطئة عاقتهم عن التعرف على ما في تلك العصور من النقاش والخلاف بين المسلمين وسفك الدماء وقتل الأولياء وحكومة الإرهاب والإرعاب إلى غير ذلك من المصائب والطامات الكبرى .
ولو درسوا تاريخ السلف ـ منذ فارق النبي الأعظم المسلمين وتسنم الأمويون منصة الخلافة إلى أن انتكث فتلهم ، وأجهز عليهم عملهم ، وورثهم العباسيون ولم يكونوا في العمل والسيرة بأحسن حال منهم ـ لوقفوا على أن حياة السلف لم تكن حياة مثالية راقية بل كانت تسودها المجازر الطاحنة الدامية ، والجنايات الفظيعة التي ارتكبتها الطغمة الأموية والعباسية في حق الأبرياء الأولياء والعلويين من العترة الطاهرة . فلو صح ما في التواريخ المتواترة ، لدل قبل كل شيء على أن السلف لم يكن بأفضل من الخلف ، وأن الخلف لم يكن بأسوأ من السلف ، ففي كلتا الفئتين رجال صالحون مثاليون كما فيهما رجال دجالون وأناس طالحون .
ومن المؤسف أن السلفية اتخذت لنفسها في الآونة الأخيرة طابعاً حاداً وسلوكاً في غاية الجمود والتحجر ، وفي منتهى التقشف والتزمت حتى ذهب من ينحو هذا المنحى إلى تحريم كل ما يتصل بالحضارة ومعطياتها المباحة شرعاً ، فإذا بهم يحرمون حتى التصوير الفوتوغرافي ويهاجمون الراديو والتلفزيون (١) عتواً وجهلاً .
وقد كان هذا الموقف الجامد المتحجر وهذا التزمت والجفاف الذي ما أنزل الله به من سلطان ، والذي أسند ـ وللأسف ـ إلى الإسلام ، وما رافقه من قوة على الآخرين ورميهم بالبدعة ، والخروج على الدين بحجة عدم
____________________
(١) راجع مجلة الفرقان العدد الخامس من السنة الأولى وتصدرها جماعة من السلفيين المتشددين .