مما لفقه رواة السوء والجور بإيعاز من السلطات الحاكمة في تلك العصور المظلمة ، فنسبوه إلى النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) وهو ـ روحي فداه ـ منها براء لمعارضتها الصريحة لمبادیء الكتاب والسنة الصحيحة .
ولو لم يكن في المقام إلا قول علي ( عليه السلام ) في خطبته : « . . . وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم . . . الخ » (١) لكفى في وهن تلك الروايات المفتعلة على لسان النبي ( صلی الله عليه وآله ) .
* * *
وفي ختام الكلام نلفت نظر القاریء الكريم إلى ما قاله الإمام أبو الشهداء الحسين بن علي ( عليهما السلام ) لأهل الكوفة حيث خطب أصحابه وأصحاب الحر ( قائد جيش عبيد الله بن زياد آنذاك ) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « أيها الناس إن رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغير عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غيري » (٢) .
وهذه النصوص الرائعة المؤيدة بالكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين الذين قاموا في وجه الطغاة من بني أمية وبني العباس ، تشهد بأن ما نسب إلى الصحابة والتابعين من الاستسلام والسكوت على ظلم الظالمين لكون ذلك من عقيدتهم الإسلامية ما هو إلا بعض مفتعلات أصحاب العروش وقد وضعها وعاظهم ومرتزقتهم وإلا فالطيبون من الصحابة والتابعين بريئون من هذه النسبة .
____________________
(١) نهج البلاغة : الخطبة ٣ .
(٢) تاريخ الطبري : ج ٤ حوادث سنة ٦١ ص ٣٠٤ .