وأصحاب الخطوط في هذا المحضر هم كبار أئمة المذهب الشافعي ببغداد في ذلك العهد فقد ترجمهم محقق كتاب « تبيين كذب المفتري » في تعليقته على الكتاب ثم أضاف : « ولما طفح كيل فتن الحشوية الذين لا يكادون يفقهون حديثاً اضطر أكابر العلماء المعروفون بكمال الهدوء والتؤدة والأناة إلى قمع فتنتهم بالسعي لدى ولي الأمر سعياً حثيثاً ورفع الإمام أبو إسحاق الشيرازي وأصحابه هذا المحضر إلى نظام الملك منتصرين للشيخ أبي نصر ابن القشيري فعاد جواب نظام الملك إلى فخر الدولة والي الإمام أبي إسحاق بإنكار ما وقع ، والتشديد على خصوم ابن القشيري وذلك سنة تسع وستين وأربعمائة ، فسكن الحال ثم أخذ الشريف أبو جعفر بن أبي موسى ـ وهو شيخ الحنابلة إذ ذاك ـ وجماعته يتكلمون في الشيخ أبي إسحاق ويبلغونه الأذى بألسنتهم فأمر الخليفة بجمعهم والصلح بينهم بعدما ثارت بينهم فتنة هائلة فيها نحو من عشرين قتيلاً فلما وقع الصلح وسكن الأمر أخذ الحنابلة يشيعون أن الشيخ أبا إسحاق تبرأ من مذهب الأشعري فغضب الشيخ لذلك غضباً لم يصل أحد إلى تسكينه حتى كتب إلى نظام الملك يشكو أهل الفتن فعاد الجواب في سنة سبعين وأربعمائة إلى الشيخ باستجلاب خاطره وتعظيمه والأمر بتأديب الذين أثاروا الفتنة وبأن يسجن الشريف أبو جعفر فهدأ الحال وسكن جأش الشيخ وانقمعت الحشوية وتنفس أهل السنة الصعداء وإلى الله عاقبة الأمور » .
قد تعرفت في البحوث السابقة على أنه كان لمنع تدوين الحديث في العصور الأولى الإسلامية تأثير خاص في تسرب عقائد اليهود والنصارى إلى أوساط المسلمين ولا سيما أهل الحديث منهم . ففي ظل ذلك المنع ، ظهرت الفرق الباطلة من المجسمة والمشبهة ودعاة القول بالجهة لله سبحانه وجلوسه على العرش ناظراً إلى ما دونه مما يتحاشى عنه أهل التنزيه .
ولم
يكن ظهور تلك العقائد أمراً غير مترقب ، بل كان نتيجة حتمية للعوامل السائدة على تلك البيئة ، إذ في الظروف التي يصلب فيها العقل