أفهل يجتمع هذا الأمر مع النهي عن تدوينه ؟ .
ثم إننا نرى أن الرسول ( صلی الله عليه وآله وسلم ) قام يبعث كتابات إلى الملوك والساسة والأمراء والسلاطين وشيوخ القبائل ورؤسائها ناهز عددها ثلاثمائة كتاب في طريق الدعوة والتبليغ أو حول العهود والمواثيق وقد حفظ التاريخ متون هذه الرسائل التي جمع بعضها نخبة مع المحققين في كتب خاصة (١) .
والتاريخ يصرح بأن الرسول صلی الله عليه وآله وسلم كان يملي والكاتب يكتب ، فلما ازدادت الحاجة وكثرت العلاقات الاجتماعية أصبحت الحاجة إلى كتاب يمارسون عملهم ، فأدى ذلك إلى كثرة الكتاب فجعل لكل عمل كاتباً ولكل كاتب راتباً معيناً . وقد كان أكثرهم كتابة ، علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه فقد كان يكتب الوحي وغيره من العهود والمصالحات وقد أنهى المؤرخون كتّابه ( صلی الله عليه وآله وسلم ) إلى سبعة عشر كاتباً .
فهل يجوز أن يكتب الرسول الأكرم ( صلی الله عليه وآله وسلم ) هذه المكاتبات والعهود والمصالحات إلى بطون القبائل ورؤساء العشائر وهو يعلم أنهم يحتفظون بهذه المكاتبات بحجة أنها من أوثق الوثائق السياسية والدينية ، ثم ينهى عن تسطير كلامه وحديثه ؟ فما هذان إلا نقيضان لا يجتمعان .
ومع ذلك كله فقد غلبت الغايات السياسية على الأهداف الدينية وقامت بكل قوة أمام حديث النبي ونشره وكتابته ، حتى إنّ الخليفة أبا بكر أحرق في خلافته خمس مائة حديث كتبه عن رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) (٢) . ولما قام عمر بعده بالخلافة نهى عن كتابة الحديث وكتب إلى الأفاق : أن من كتب حديثاً فليمحه (٣) . ثم نهى عن التحدث ، فتركت عدة من الصحابة الحديث
____________________
(١) « كالوثائق السياسية » لمحمد حميد الله ، و « مكاتيب الرسول » للعلامة الأحمدي .
(٢) كنز العمال : ج ١٠ ص ٢٣٧ و ٢٣٩ .
(٣) مسند أحمد : ج ٣ ص ١٢ و ١٤ .