لقد اتخذ الأمويون مسألة القدر أداة تبريرية لأعمالهم السيئة وكانوا ينسبون وضعهم الراهن بما فيه من شتى ضروب العيث والفساد إلى القدر ، قال أبو هلال العسكري : « إن معاوية أول من زعم أن الله يريد أفعال العباد كلها » (١) .
ولأجل ذلك لما سألت أم المؤمنين عائشة ، معاوية عن سبب تنصيب ولده يزيد خليفة على رقاب المسلمين فأجابها : « إن أمر يزيد قضاء من القضاء وليس للعباد الخيرة من أمرهم » (٢) .
وبهذا أيضاً أجاب معاوية عبد الله بن عمر عندما استفسر من معاوية عن تنصيبه يزيد بقوله : « إني أحذرك أن تشق عصا المسلمين وتسعى في تفريق ملئهم وأن تسفك دماءهم وإن أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة من أمره » (٣) .
وقد كانت الحكومة الأموية الجائرة متحمسة على تثبيت هذه الفكرة في المجتمع الإسلامي وكانت تواجه المخالف بالشتم والضرب والإبعاد .
قال الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه « نظرية الإمامة » : « إن معاوية لم يكن يدعم ملكه بالقوة فحسب ، ولكن بايديولوجية تمس العقيدة في الصميم ولقد كان يعلن في الناس أن الخلافة بينه وبين علي ( عليه السلام ) قد احتكما فيها إلى الله فقضى الله له على علي وكذلك حين أراد أن يطلب البيعة لابنه يزيد من أهل الحجاز أعلن أن اختيار يزيد للخلافة كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة في أمرهم ، وهكذا كاد أن يستقر في أذهان المسلمين ، أن كل ما يأمر به الخليفة ـ حتى ولو كانت طاعة الله في خلافه ـ فهو قضاء من الله قد قدر على العباد » (٤) .
____________________
(١) الأوائل : ج ٢ ص ١٢٥ .
(٢) الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ج ١ ص ١٦٧ .
(٣) الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ج ١ ص ١٧١ من طبعة مصر .
(٤) نظرية الإمامة : ص ٣٣٤ .