ولعل قوله سبحانه : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (١) يشير إلى أنهم كانوا يعتذرون بأن تقديره سبحانه يلازم الجبر ونفي الإختيار ، والله سبحانه يرد على تلك المزعمة بهذا القول .
فقد بقيت هذه العقيدة الموروثة من العصر الجاهلي في أذهان بعض الصحابة ، فقد روى الواقدي في مغازيه عن اُمّ الحارث الأنصارية وهي تحدث عن فرار المسلمين يوم حنين قالت : « مر بي عمر بن الخطاب ( منهزماً ) فقلت : ما هذا ؟ فقال عمر : أمر الله » (٢) .
والعجب أن تلك العقيدة بقيت في أذهان بعض الصحابة حتى بعد رحلة النبي ( صلّی الله عليه وآله وسلّم ) فهذا السيوطي ينقل عن عبد الله بن عمر أنه جاء رجل إلى أبي بكر فقال : « أرأيت الزنى بقدر ؟ قال : نعم ، قال : فإن الله قدره علي ثم يعذبني ؟ قال : نعم يا بن اللخناء أما والله لو كان عندي إنسان أمرته أن يجأ أنفك » (٣) .
لقد كان السائل في حيرة من أمر القدر فسأل الخليفة عن كون الزنى مقدّراً من الله أم لا ، فلما أجاب الخليفة بنعم ، استغرب من ذلك لأنّ العقل لا يسوغ تقديره سبحانه شيئاً بمعنى سلب الإختيار عن الإنسان في فعله أو تركه ثم تعذيبه عليه ، ولذلك قال : « فإن الله قدره علي ثم يعذبني ؟ » فعند ذاك أقرّه الخليفة على ما استغربه وقال : « نعم يا بن اللخناء » .
____________________
(١) سورة الأعراف : الآية ٢٨ .
(٢) مغازي الواقدي : ج ٣ ص ٩٠٤ .
(٣) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ٩٥ .