وروحه كالأرض الخالية تنبت ما ألقي فيها ، وعلى هذا الأساس لا يصح لنا أن نقول : إن الصحبة والمجالسة وسماع بعض الآيات والأحاديث ، أوجدت ثورة عارمة في صحابة النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) وأزالت شخصياتهم المكونة طيلة سنين في العصر الجاهلي ، وكونت منهم شخصيات عالية تعد مثلاً للفضل والفضيلة .
مع أنهم كانوا متفاوتين في السن ومقدار الصحبة ، مختلفين في الاستعداد والتأثر ، وحسبك أن بعضهم أسلم وهو صبي لم يبلغ الحلم وبعضهم أسلم وهو في أوليات شبابه ، كما أسلم بعضهم في الأربعينات والخمسينات من أعمارهم إلى أن أسلم بعضهم وهو شيخ طاعن في السن يناهز الثمانين والتسعين .
فكما أنهم كانوا مختلفين في السن عند الانقياد للإسلام ، كذلك كانوا مختلفين أيضاً في مقدار الصحبة فبعضهم صحب النبي ( صلی الله عليه وآله وسلم ) من بدء البعثة إلى لحظة الرحلة ، وبعضهم أسلم بعد البعثة وقبل الهجرة ، وكثير منهم أسلموا بعد الهجرة وربما أدركوا من الصحبة سنة أو شهراً أو أياماً أو ساعة فهل يصح أن نقول : إن صحبة ما ، قلعت ما في نفوسهم جميعاً من جذور غير صالحة وملكات ردية وكونت منهم شخصيات ممتازة أعلى وأجل من أن يقعوا في إطار التعديل والجرح ؟ !
إن تأثير الصحبة عند من يعتقد بعدالة الصحابة كلهم أشبه شيء بمادة كيمياوية تستعمل في تحليل عنصر كالنحاس إلى عنصر آخر كالذهب ، فكأن الصحبة قلبت كل مصاحب إلى إنسان مثالي يتحلى بالعدالة ، وهذا مما يرده المنطق والبرهان ، وذلك لأن الرسول الأعظم ( صلی الله عليه وآله وسلم ) لم يقم بتربية الناس وتعليمهم عن طريق الإعجاز ( فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) (١) بل قام بإرشاد الناس ودعوتهم إلى الحق وصبهم في بوتقات الكمال مستعيناً بالأساليب الطبيعية والإمكانيات الموجودة كتلاوة القرآن الكريم ، والنصيحة بكلماته النافذة ، وسلوكه القويم وبعث رسله ودعاة دينه إلى الأقطار ونحو
____________________
(١) سورة الأنعام : الآية ١٤٩ .