بـ « الاحتجاج بالقدر » بأن موسى لم يلم آدم إلا من جهة المصيبة التي أصابته وذريته بما فعل لا لأجل أن تارك الأمر الإلهي مذنب عاص ، ولهذا قال لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة . ولم يقل : لماذا خالفت الأمر ؟ ولماذا عصيت ؟ . والناس مأمورون عند المصائب التي تصيبهم بأفعال الناس أو بغير أفعالهم ، بالتسليم للقدر وشهود الربوبية كما قال الله تبارك وتعالى : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) (١) .
ووجه العجب : أن ابن تيمية قصر النظر على كلام موسى حيث اعترض على آدم بأنه لماذا أخرج نفسه وذريته من الجنة ، ولم يلتفت إلى جواب آدم ، فإنه صريح في الاحتجاج بالقدر في مورد العصيان وأن معصيته كانت أمراً مقدراً قبل أن يخلق فلم يكن بد منها حيث قال لموسى : أنت موسى الذي كلمك الله تكليماً وكتب لك التوراة فبكم تجد فيها مكتوباً « وعصى آدم ربّه فغوى » قبل أن أخلق ، قال : بأربعين سنة قال : فحج آدم موسى (٢) .
وعلى ذلك فموسى وإن لم يلم آدم إلا من جهة المصيبة التي أصابته وذريته بما فعل ، لكن لما كانت المصيبة نتيجة المعصية ، احتج آدم على موسى بأن المعصية لما كانت أمراً مقدراً وهو بالنسبة إليها مسيراً ، وكانت المصيبة نتيجة لها ، فهو معذور في المصيبة التي عمته وذريته . فالكل من السبب والمسبب كانا خارجين عن قدرته واختياره فلا لوم على المصيبة لعدم صحة اللوم على المعصية المقدرة قبل خلقته بأربعين سنة .
ثم إن كثيراً من القائلين بالقدر بالمعنى الذي تفيده ظواهر الأحاديث لما رأوا في صميم عقلهم وأغوار فكرهم أنّه لا يجتمع مع التكليف ، صاروا إلى الإجابة بأصل مبهم جدا ، وهو أنه « لا يحتج بالقدر » وعندئذٍ يتوجه إليهم السؤال التالي :
لو كان القدر بالمعنى الذي تفيده ظواهر الأحاديث أمراً صحيحاً يجب
____________________
(١) سورة التغابن : الآية ١١ .
(٢) الاحتجاج بالقدر : ص ١٨ .