وهناك أحاديث كثيرة تؤيد هذا المعنى وتعرف الإنسان بأنه مسلوب المشيئة وأنه مقهور بكتاب سابق وأن سعيه باطل لأنه لا يغير شيئاً مما حط عليه في الأزل مع أنه سبحانه يقول : ( وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ ) (١) .
فهذه أحاديث واهية خلفت تعاليم باطلة في أوساط المسلمين يجب تجريد الدعوة الإسلامية عنها فهي تعاكس منطق الفطرة أولاً ، والعقل السليم ثانياً ، ومنطق العقلاء ثالثاً ، ومنطق الشرائع عامة رابعاً ، فليس لهذه الروايات أن تطيح على المحفوظ من كتاب الله وسنة رسوله أو تنافح ما اجتمع عليه عقول العالمين ولو صحت هذه الروايات لكانت الحياة عملاً مسرحياً والدعوة الإلهية دعوة خادعة والناس محكومون بما جف عليه القلم وليس لهم التخطي عنه قدر أنملة .
هذه بعض الأصول (٢) التي تناقض الفطرة ، وهي أكثر مما حررناه هنا فليكن منها شعار الحنابلة وبعدهم الأشاعرة بأنه :
يجوز التكليف بما لا يستطاع ولا يطاق (٣) .
يجوز تعذيب أطفال المشركين يوم القيامة (٤) .
يعذب الميت ببكاء أهله عليه (٥) .
ليس للعقل الحكم بحسن شيء أو قبحه ـ وعليه ـ : يصح له سبحانه إدخال المؤمن الجحيم ، والعاصي الجنة .
إن الإطاحة بحاكمية العقل في مجال التحسين والتقبيح إماتة للمنطق وإحياء للخرافات وفي الوقت نفسه رد لصميم الدعوة المحمدية المبنية على التدبر
____________________
(١) سورة النجم : الآية ٣٩ ـ ٤١ .
(٢) قد تعرفت على مصادر هذه الأصول في الفصل الخامس من هذا الجزء ص ١٢٧ ـ ٢٦١ .
(٣ و ٤) اللمع للشيخ الأشعري ص ١١٦ .
(٥) صحيح البخاري كتاب الجنائز ، الباب ٥ .