وقد رأيت بعض النقلة والكاتبين يهونون من الإرادة البشرية ومن أثرها في حاضر المرء ومستقبله وكأنهم يقولون للناس أنتم محكومون بعلم سابق لا فكاك منه ومسوقون إلى مصير لا دخل لكم فيه فاجهدوا جهدكم فلن تخرجوا من الخط المرسوم لكم مهما بذلتم ! .
إن هذا الكلام الرديء ليس نضح قراءة واعية لكتاب ربنا ، ولا اقتداء دقيقاً بسنة نبيّنا إنه تخليط قد جنينا منه المر ! .
وكل أثر مروي يشغب على حرية الإرادة البشرية في صنع المستقبل الأخروي يجب أن لا نلتفت إليه فحقائق الدين الثابتة بالعقل والنقل لا يهدها حديث واهي السند أو معلول المتن لكنّنا مهما نوّهنا بالإرادة الإنسانية فلا ننسى أنّنا داخل سفينة يتقاذفها بحر الحياة بين مد وجزر وصعود وهبوط والسفينة تحكمها الأمواج ولا تحكم الأمواج ويعني هذا أن نلزم موقفاً محدداً بإزاء الأوضاع المتغيرة التي تمر بنا هذا الموقف من صنعنا وبه نحاسب .
أما الأوضاع التي تكتنفنا فليست من صنعنا ومنها يكون الاختيار الذي يبت في مصيرنا ، إن تصوير القدر على النحو الذي جاءت به بعض المرويات غير صحيح وينبغي أن لا ندع كتاب ربنا لأوهام وشائعات تأباها روح الكتاب ونصوصه . القرآن قاطع في أن أعمال الكافرين هي التي أردتهم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (١) وقاطع في أن أعمال الصالحين هي التي نجت بهم ( وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٢) .
فلا احتجاج بقدر ولا مكان لجبر وعلى من يسيئون الفهم أو النقل أن لا يعكروا صفو الإسلام .
جاءت في القدر أحاديث كثيرة نرى أنها بحاجة إلى دراسة جادة حتى يبرأ المسلمون من الهزائم النفسية والاجتماعية التي أصابتهم قديماً وحديثاً (٣) .
____________________
(١) سورة التحريم : الآية ٧ .
(٢) سورة الأعراف : الآية ٤٣ .
(٣) السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث : للشيخ الغزالي : ص ١٤٤ ـ ١٥٧ بتلخيص .