نتناول بحذر شديد ما جاء في حديث مسلم وغيره : إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار . . . (١) .
ونظير ذلك ما رواه الترمذي عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ ) (٢) قال عمر بن الخطاب سمعت رسول الله يسأل عنها فقال رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) : « إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون . ثم مسح على ظهره فاستخرج منه ذرية فقال : هؤلاء خلقت للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل : يا رسول الله ففيم العمل ؟ قال : فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار » (٣) .
فإن هذا التفسير المنسوب لعمر يسير في اتجاه مضاد للتفسير البديهي المفهوم من الآيات البينات .
على أنه ليس هنا أثر من الجبر الإلهي في الآية التي ورد الحديث في تفسيرها ولا يفيد أن الله خلق ناساً للنار يساقون إليها راغمين ، وخلق ناساً للجنة يساقون إليها محظوظين ! وإن التعلق بالمرويات المعلولة إساءة بالغة للإسلام .
كل ميل بعقيدة القدر إلى الجبر فهو تخريب متعمد لدين الله ودنيا الناس
____________________
(١) قد مر نص الحديث في ص ٢٤٢ .
(٢) سورة الأعراف : الآية ١٧٢ .
(٣) صحيح الترمذي ج ٥ ص ٢٦٦ ، رقم الحديث ٣٠٧٥ .