عن أن المحققين من أهل السنة بدأوا يدرسون الإسلام من جديد أو يدرسون الأصول الموروثة من أبناء الحنابلة وأهل الحديث من رأس وقد رد على القول بالقدر المستلزم للجبر رداً عنيفاً يعرب عن حريته في الرأي وشجاعته الأدبية في تحليل عقائد الإسلام نقتبس منه ما يلي :
« فمن الناس من يزعم أن الحياة رواية تمثيلية خادعة ، وأن التكليف أكذوبة وأن الناس مسوقون إلى مصائرهم المعروفة أزلاً طوعاً أو كرهاً وأن المرسلين لم يبعثوا لقطع أعذار الجهل بل المرسلون خدعة تتم بها فصول الرواية أو فصول المأساة والغريب أن جمهوراً كبيراً من المسلمين يجنح إلى هذه الفرية بل إن عامة المسلمين يطوون أنفسهم على ما يشبه عقيدة الجبر ولكنهم حياءً من الله يسترون الجبر باختيار خافت موهوم وقد أسهمت بعض المرويات في تكوين هذه الشبهة وتمكينها وكانت بالتالي سبباً في إفساد الفكر الإسلامي وانهيار الحضارة والمجتمع .
إن العلم الإلهي المحيط بكل شيء وصاف كشاف يصف ما كان ويكشف ما يكون والكتاب الدال عليه يسجل للواقع وحسب ! لا يجعل السماء أرضاً ولا الجماد حيواناً إنه صورة تطابق الأصل بلا زيادة ولا نقص ولا أثر لها في سلب أو إيجاب .
إن هذه الأوهام ( التقدير سالب للاختيار ) تكذيب للقرآن والسنة فنحن بجهدنا وكدحنا ننجو أو نهلك والقول بأن كتاباً سبق علينا بذلك وأنه لا حيلة لنا بإزاء ما كتب أزلاً هذا كله تضليل وإفك لقوله تعالى : ( قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ) (١) ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (٢) .
والواقع أن عقيدة الجبر تطويح بالوحي كله وتزييف للنشاط الإنساني من بدء الخلق إلى قيام الساعة بل هي تكذيب لله والمرسلين قاطبة ومن ثم فإننا
____________________
(١) سورة الأنعام : الآية ١٠٤ .
(٢) سورة الكهف : الآية ٢٩ .