بالنسبة إلى رسول الله كما قال هو نفسه : « إني كنت إذا سألته أنبأني وإذا سكت ابتدأني » (١) . وهو أول من ألف أحاديث رسول الله وكتب ، وهذه منقبة عالية لأمير المؤمنين دون غيره ، إلا أقل القليل . فاهتم مخالفوه بإخفاء هذه الفضيلة ، باختلاق حديث منع الكتابة ، فروى مسلم وغيره عنه ( صلی الله عليه وآله ) : « لا تكتبوا عني سوى القرآن ، ومن كتب فليمحه » (٢) وكانت الغاية من تلك المقالة ، الطمس على ما كتبه علي (ع) من الأحاديث .
على أنهم لم يكتفوا بذلك ، فرووا عن علي أنه قال : « ليس عندنا كتاب سوى ما في قراب السيف » (٣) .
وروى البخاري عن أبي جحيفة ، « قال : قلت لعلي : هل عندكم كتاب ؟ قال : لا ، إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة ، قال : قلت : فما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، ولا يقتل مسلم بكافر » (٤) .
مع أن الكتاب الذي كتبه علي بإملاء رسول الله ( صلی الله عليه وآله ) ، كتاب كبير رآه أئمة الشيعة ، وهو من مواريث النبوة وكان مشتملاً على أحاديث فقهية ، وغيرها . وقد نقل عنه مشايخنا المحدثون الأول في جوامعهم ، ولو صح وجود كتاب في قراب سيفه ، فهو لا يمت إلى هذا الكتاب بصلة .
وقد قام زميلنا العلامة الحجة الشيخ علي الأحمدي ، بجمع ما روى الأئمة عن هذا الكتاب من الأحاديث في موسوعته ، وأخرجها من الكتب الأربعة ، والجامع الأخير وسائل الشيعة (٥) .
إن الخسارات التي مني الإسلام والمسلمون بها من جراء مثل هذا المنع ،
____________________
(١) تاريخ الخلفاء : ص ١١٥ .
(٢) سنن الدارمي : ج ١ ص ١١٩ .
(٣) مسند أحمد : ج ١ ص ١١٩ .
(٤) صحيح البخاري ، باب كتابة العلم ، الحديث الأول ، ص ٢٩ .
(٥) لاحظ مكاتيب الرسول : ج ١ ص ٧٢ ـ ٨٩ .