الأولى : يحاول الاتسام بالعلم ، ويعرف نفسه للمجتمع بأنه عالم كبير ، ومفكر اجتماعي بلا منازع ، حتى يتخذ لنفسه من هذا الطريق مكاناً في القلوب تنعطف إليه النفوس وترتاح به .
الثانية : يحاول الاتصال بأصحاب السلطة ، حتى يتخذهم سناداً وعماداً في مقابل العواصف القارعة التي تبعثها عليهم صلحاء الأمة ومفكروها الواقعيون .
فإذا تهيأت لأصحاب الفكرة المنحرفة هاتان الدعامتان ، سهل لهم النفوذ في عقول بسطاء الأمة ، وتمكنوا من نفث أفكارهم المسمومة في نفوسها ، ولا تمر الأيام حتى تصبح أفكارهم حقيقة راهنة لا يمكن تجاوزها ، ولا الدعوة على خلافها ، بل تصير المخالفة لها ارتداداً عن الدين ، وتشبثاً بالباطل .
ومن عجائب الأمور أن الأحبار والرهبان عندما تظاهروا بالإيمان ولما يدخل الإيمان في قلوبهم ، هيمنوا على عقول المسلمين من خلال الأمرين المذكورين .
فمن جانب عرفوا بأنهم من أوعية العلم ، وأن عندهم علوم الأولين والآخرين بتفصيلاتها ، وأنهم حفظة التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السماوية .
ومن جانب آخر استعانوا بالحكم السائد ، بحيث صاروا موضع ثقة عنده ، يسمع لكلامهم ويصدر عن رأيهم .
عند ذلك أخذت الإسرائيليات والمسيحيات ، مكان السنة النبوية وصار نقلتها مصادر الحكم والفتيا ، فأصبحت آراؤهم وأقوالهم مدارك الفقه وسناد التاريخ ، ومعياراً للحق والباطل في العقائد ، فيا لها من رزية عظمت ، ويا لها من مصيبة كبرت .
هذا هو كعب الأحبار فقد استعان في بث ثقافته ( الثقافة اليهودية ) عن هاتين الدعامتين فهلم معي ندرس حياة بعض زملائه وسوف تقف على أن الخط الذي مشى عليه كعب ، قد مشى عليه زملاؤه وإليك البيان :