فعرف من أسباب النزول ما لم يعرفه غيره (كعليّ بن أبي طالب عليهالسلام) أضف إلى ذلك أن الصحابة لم يكونوا في درجتهم العلمية ومواهبهم العقليّة سواء ، بل كانوا مختلفين في ذلك اختلافا عظيما (١).
هذا عديّ بن حاتم (٢) ، العربيّ الصميم ، حسب من قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ...)(٣) أنه تمايز أحد خيطين : أبيض وآخر أسود ، أحدهما عن الآخر في ضوء الفجر ، فأخذ عقالين أبيض وأسود وجعلهما تحت وساده ، فجعل ينظر إليهما فلا يتبيّن له أحدهما عن الآخر ، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يخبره بما صنع ، فضحك رسول الله من صنيعه ذلك ، حتى بدت نواجذه ، وفي رواية ، قال له : إنّ وسادك إذن لعريض ـ كناية عن عدم تنبّهه لحقيقة الأمر ـ ثم قال له : إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل (٤) ، إنه البياض المعترض على الأفق تحت سواد الليل المنصرم. وفي الدرّ المنثور : لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر
__________________
(١) التفسير والمفسرون ، ج ١ ، ص ٣٥.
(٢) هو ابن حاتم الموصوف بالجود الذي يضرب به المثل ، وفد على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سنة تسع. كان جوادا شريفا في قومه. وكان ثابت الإيمان راسخ العقيدة ، روي عنه أنه قال : ما دخل عليّ وقت صلاة إلّا وأنا مشتاق إليها. وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يكرمه إذا دخل عليه. قال الشعبي : أرسل إليه الأشعث يستعير منه قدور حاتم فملأها وحملها الرجال إليه. فقال : إنما أردناها فارغة ، فقال عديّ : إنّا لا نعيرها فارغة. كان منحرفا عن عثمان ، ثابتا مع أمير المؤمنين عليهالسلام فقئت عينه يوم الجمل وقتل ابنان له في ركاب علي عليهالسلام وشهد صفين بنفسه. توفّي سنة ٦٧ بالكوفة أيام المختار ، وله مائة وعشرون سنة ، (أسد الغابة ، ج ٣ ، ص ٣٩٢)
(٣) البقرة / ١٨٧.
(٤) فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر ، ج ٤ ، ص ١١٣ ـ ١١٤. وتفسير الطبري ، ج ٢ ، ص ١٠٠.