الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ ، أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ، فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا ، وَعِنَباً وَقَضْباً ، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً ، وَحَدائِقَ غُلْباً ، وَفاكِهَةً وَأَبًّا ، مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ)(١) ، فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها ، فما الأبّ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال : إنّ هذا لهو التكلّف يا عمر!
وفي رواية : ثم رفض ـ أو نقض ـ عصا كانت في يده ، وقال : هذا لعمر الله هو التكلّف ، فما عليك أن لا تدري ما الأبّ ، اتّبعوا ما بيّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربّه! ـ ولعلّه سئل عن تفسير الآية فحار في الجواب.
وقد ورد أن أبا بكر ـ أيضا ـ سئل قبل ذلك عن تفسير الآية ، فقال : أيّ سماء تظلّني ، وأيّ أرض تقلّني ، إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم. (٢)
قال الذهبي : ولو أنّنا رجعنا إلى عهد الصحابة لوجدنا أنهم لم يكونوا في درجة واحدة بالنسبة لفهم معاني القرآن ، بل تتفاوت مراتبهم ، وأشكل على بعضهم ما ظهر لبعض آخر منهم. وهذا يرجع إلى تفاوتهم في القوّة العقليّة ، وتفاوتهم في معرفة ما أحاط بالقرآن من ظروف وملابسات. وأكثر من هذا أنهم كانوا لا يتساوون في معرفة المعاني التي وضعت لها المفردات ، فمن مفردات القرآن ما خفي معناه على بعض الصحابة ، ولا ضير في هذا ، فإنّ اللغة لا يحيط بها إلّا معصوم ، ولم يدّع أحد أنّ كل فرد من أمّة يعرف جميع ألفاظ لغتها.
__________________
(١) عبس / ٢٤ ـ ٣٢.
(٢) راجع : الدر المنثور ، ج ٦ ، ص ٣١٧ ، والمستدرك للحاكم ، ج ٢ ، ص ٥١٤.
والأبّ : العشب المتهيّئ للرّعي والجزّ ، من قولهم : أبّ لكذا ، إذا تهيّأ له. كما أنّ الفاكهة هي الثمرة الناضحة للأكل والقطف. جاء في المعجم الوسيط : الأبّ : العشب رطبه ويابسه. يقال : فلان راع له الحبّ ، وطاع له الأبّ ، إذا زكا زرعه واتّسع مرعاه.