الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم هناك. ولا غرو فإنهم أعرف بموضع أهل البيت ولا سيّما سيدهم وكبيرهم عليّ بن أبي طالب ، من رسول الله ، وكثرة وصاياه بشأنهم ، والتمسّك بأذيالهم والسير على هديهم ، فلا يضلّوا أبدا.
ومن ثم فقد امتازت الكوفة في أمور جعلتها في قمة العظمة والإكبار ، على مدى الدهور :
أوّلا : كانت مهجر علماء الصحابة الأخيار وأعلام الأمة الكبار ، وبلغ أوجها عند مهاجرة الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام.
أخرج ابن سعد عن إبراهيم ، قال : هبط الكوفة ثلاثمائة من أصحاب الشجرة ، وسبعون من أهل بدر. وبذلك قال ابن عمرو : ما من يوم إلّا ينزل في فراتكم هذا مثاقيل من بركة الجنة. كناية عن مهاجرة أصحاب الرسول إليها فوجا فوجا. (١)
وثانيا : أصبحت معهد العلم في الإسلام في دور نضارته وازدهار معارفه ، فمن الكوفة صدرت العلوم والمعارف الإسلامية ، بشتّى أنحائها إلى البلاد ، وسارت به الركبان إلى الأمصار في عهد طويل. أخرج ابن سعد ـ أيضا ـ عن عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا عبد الجبار بن عباس عن أبيه ، قال : جالست عطاء ، فجعلت أسأله. فقال لي : ممّن أنت؟ فقلت : من أهل الكوفة. فقال عطاء : ما يأتينا العلم إلا من عندكم. (٢)
وثالثا : كانت أرضا خصبة لتربية ولاء آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في نفوس مؤمنة صادقة في إيمانها ، مؤدّية أجر رسالة نبيّها ، حافظة لكرامة رسول الله في ذريّته الأنجاب ، عارفة بأنهم سفن النجاة ، وأحد الثقلين ، والعروة الوثقى التي لا انفصام
__________________
(١) الطبقات ، ج ٦ ، (ط ليدن) ، ص ٤٠ ، س ١٥ و ٢٠.
(٢) الطبقات ، ج ٦ ، ص ٥ ، س ٢٠.