لكن بموازاة انتشار العلم منه في الآفاق ، راجع الوضع على لسانه ، لمكان شهرته ومعرفته في التفسير. ومن ثمّ فإن التشكيك في أكثر المأثور عنه أمر محتمل. قال الأستاذ الذهبي : روي عن ابن عباس في التفسير ما لا يحصى كثرة ، وتعدّدت الروايات عنه ، واختلفت طرقها. فلا تكاد تجد آية من كتاب الله إلّا ولابن عباس فيها قول مأثور أو أقوال ، الأمر الذي جعل نقّاد الأثر ورواة الحديث يقفون إزاء هذه الروايات ـ التي جاوزت الحدّ ـ وقفة المرتاب (١).
قال جلال الدين السيوطي : ورأيت في كتاب فضائل الإمام الشافعي ، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن شاكر القطّان ، أنه أخرج بسنده من طريق ابن عبد الحكم ، قال : سمعت الشافعي يقول : لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه مائة حديث (٢).
وذكر ابن حجر العسقلاني : أن البخاري لم يخرّج من أحاديث ابن عباس ، في التفسير وغيره ، سوى مائتين وسبعة عشر حديثا ، بينما يذكر أن ما خرّجه من أحاديث أبي هريرة الدوسي ، يبلغ أربعمائة وستة وأربعين حديثا. (٣)
غير أنّ معرفته الفائقة في التفسير ، وأنّ الخرّيجين من مدرسته جعلته في قمة علوم التفسير. وهذا المأثور الضخم من التفسير الوارد عنه أو عن أحد تلامذته المعروفين ـ وهم كثرة عدد نجوم السماء ـ لما يفرض من مقامه الرفيع في إعلاء ذروة التفسير. منه يصدر وعنه كلّ مأثور في هذا الباب.
ولقد كان موضع عناية الأمّة ، ولا سيّما الكبار والأئمّة ، من الصحابة ومن
__________________
(١) التفسير والمفسرون ، ج ١ ، ص ٧٧.
(٢) الإتقان ، ج ٤ ، ص ٢٠٩.
(٣) مقدمة شرح البخاري ، ص ٤٧٦ ـ ٤٧٧.