الظاهرية وهذه الدلالة الباطنية للكلام ، فلا تكون أجنبيّة ، لا مناسبة بينها وبين اللفظ أبدا. فإذا كان التأويل ـ كما عرفناه ـ هو المفهوم العام المنتزع من فحوى الكلام ، كان لا بدّ أنّ هناك مناسبة لفظية أو معنوية استدعت هذا الانتزاع.
مثلا : لفظة «الميزان» وضعت لآلة الوزن المعروفة ذات الكفّتين ، وقد جاء الأمر بإقامتها وعدم البخس فيها ، في قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ)(١).
لكنا إذا جرّدنا اللفظ من قرائن الوضع وغيره وأخلصناه من ملابسات الأنس الذهني ، فقد أخذنا بمفهومه العام : كل ما يوزن به الشيء ، أيّ شيء كان ماديّا أم معنويّا ، فإنه يشمل كل مقياس أو معيار كان يقاس به أو يوزن به في جميع شئون الحياة ، ولا يختص بهذه الآلة المادية فحسب.
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : فالميزان آلة التعديل في النقصان والرجحان ، والوزن يعدل في ذلك. ولو لا الميزان لتعذّر الوصول إلى كثير من الحقوق ؛ فلذلك نبّه تعالى على النعمة فيه والهداية إليه. وقيل : المراد بالميزان : العدل ؛ لأنّ المعادلة موازنة الأسباب (٢).
وروى محمد بن العباس المعروف بماهيار (ت ح ٣٣٠) ـ في كتابه الذي وضعه لبيان تأويل الآيات ـ بإسناده إلى الإمام الصادق عليهالسلام قال : الميزان الذي وضعه الله للأنام ، هو الإمام العادل الذي يحكم بالعدل ، وبالعدل تقوم السماوات والأرض ، وقد أمر الناس أن لا يطغوا عليه ويطيعوه بالقسط والعدل ، ولا يبخسوا من حقه ،
__________________
(١) الرحمن / ٩.
(٢) التبيان ، ج ٩ ، ص ٤٦٣.