«وكثيرا ما نجد بين مصادر العلم المفضّلة لدى ابن عباس ، اليهوديّين اللّذين اعتنقا الإسلام : كعب الأحبار ، وعبد الله بن سلام ، كما نجد أهل الكتاب على وجه العموم ، أي رجالا من طوائف ورد التحذير من أخبارها ـ عدا ذلك ـ في أقوال تنسب إلى ابن عباس نفسه. ومن الحقّ أن اعتناقهم للإسلام قد سما بهم على مظنّة الكذب ، ورفعهم إلى مرتبة مصادر العلم التي لا تثير ارتيابا (١).
«ولم يعدّ ابن عباس أولئك الكتابيّين الذين دخلوا في الاسلام ، حججا فقط في الإسرائيليات وأخبار الكتب السابقة ، التي ذكر كثيرا عنها الفوائد (٢) ، بل كان يسأل أيضا كعب الأحبار مثلا عن التفسير الصحيح للتعبيرين القرآنيّين : (أُمُّ الْكِتابِ)(٣) و (الْمَرْجانُ)(٤).
«كان يفترض عند هؤلاء الأحبار اليهود ، فهم أدقّ للمدارك الدينية العامة الواردة في القرآن وفي أقوال الرسول ، وكان يرجع إلى أخبارهم في مثل هذه المسائل ، على الرغم من ضروب التحذير الصادرة من جوانب كثيرة فيهم» (٥).
هذه هي عبارة (جولد تسيهر) البادي عليها غلّوه المفرط بشأن مسلمة اليهود ،
__________________
(١) سترى أن الأمر كان بالعكس ، كان هؤلاء موضع ارتياب المسلمين عامة ، سوى أهل المطامع كانوا قد استغلّوا من مواضع هؤلاء غير النزيهة ، أمثال معاوية وابن العاص ومن على شاكلتهما.
(٢) مثل ما أخرجه ابن سعد في الطبقات (ج ١ ، ق ٢ ، ص ٨٧) بإسناده إلى ابن عباس أنّه سأل كعب الأحبار عن صفة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في التوراة والإنجيل.
وكذا ما أسنده إلى مولى عمر بن الخطاب أن كعبا أخبر بموته قبل ثلاثة أيام ؛ إذ وجد ذلك مكتوبا عندهم في التوراة. (الطبقات ، ج ٣ ، ق ٢ ، ص ٢٤٠)
(٣) من سورة الرعد / ٣٩. راجع الطبري ، ج ١٣ ، ص ١١٥.
(٤) من سورة الرحمن / ٢٢. راجع : الطبري ، ج ٢٧ ، ص ٧٦ ـ ٧٧.
(٥) مذاهب التفسير الإسلامي ، ص ٨٤ ـ ٨٨.