لكن سعيد بن المسيب فسّرها بالذي يذنب ويتوب ثم يذنب ويتوب ، ولكن ليس يعود في شيء من ذنوبه قصدا ، وإنما هو شيء فرط منه. وهذه النكتة الظريفة هي بيت القصيد ، نظرا لأن «الأوّاب» مبالغة في الأوب والرجوع. والمراد : الكثرة والتكرار فيه ، لكنه هل هو مطلق ، أم الذي يصدر منه الذنب لا تمرّدا وعصيانا ، وإنما هو شيء قد يفرط منه أو تغلبه نفسه ثم يتذكّر عن قريب؟
قال تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ)(١).
وقال : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ)(٢).
وهذا هو معنى اللّمم المغفور في الآية الكريمة : (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ. إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ. هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)(٣).
قال الإمام الصادق عليهالسلام : «اللّمم : الرجل يلمّ بالذنب فيستغفر الله منه. قال : ما من ذنب إلّا وقد طبع عليه عبد مؤمن يهجره الزمان ثم يلمّ به. قال : اللّمام : العبد الذي يلمّ بالذنب ليس من سليقته» أي من طبيعته. وفي رواية قال : «الهنة بعد الهنة» أي الذنب بعد الذنب يلمّ به العبد. وفي أخرى : «هو الذنب يلم به الرجل ، فيمكث ما شاء الله ثم يلمّ به بعد» (٤).
__________________
(١) النساء / ١٧.
(٢) الأعراف / ٢٠١.
(٣) النجم / ٣٢.
(٤) تفسير الصافي للمولى محسن الفيض ، ج ٢ ، ص ٦٢٦.