متغايرا مع المفاهيم ، بعيدا عن جنس الألفاظ والمعاني والتعابير ، وإنما هي حقائق راهنة ، موطنها خارج الأذهان والعبارات.
إنّه رحمهالله تعرّض لكلام ابن تيميّة ، فصحّحه من جهة ، وخطّأه من جهة أخرى ؛ صحّحه من جهة قوله : بشمول التأويل لجميع آي القرآن ، محكمه ومتشابهه ، وقوله : بأنه خارج الأذهان والعبارات. لكن خطّأه في حصره للتأويل في العين الخارجية البحت ، فإنه مصداق وليس بتأويل. إنما التأويل حقائق راهنة ، هي مصالح واقعية وأهداف وغايات مقصودة من وراء التكاليف والأحكام ، وكذا الحكم والمواعظ والآداب ، وحتى القصص والأخبار والآثار التي جاءت في القرآن.
قال ـ مناقشا لرأي ابن تيميّة ـ :
«إنه وإن أصاب في بعض كلامه ، لكنه أخطأ في بعضه الآخر. إنّه أصاب في القول بأنّ التأويل لا يختص بالمتشابه ، بل هو عام لجميع القرآن ، وكذا القول : بأنّ التأويل ليس من سنخ المدلول اللفظي ، بل هو أمر خارجي يبتنى عليه الكلام. لكنه أخطأ في عدّ كل أمر خارجي مرتبط بمضمون الكلام ـ حتى مصاديق الأخبار الحاكية عن الحوادث الماضية والمستقبلة ـ تأويلا للكلام» (١).
ثم قال : «الحقّ في تفسير التأويل أنّه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية ، من حكم أو موعظة أو حكمة ، وأنه موجود لجميع الآيات القرآنية محكمها ومتشابهها ، وأنه ليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ ، بل هي من الأمور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكات الألفاظ. وإنما قيّدها الله سبحانه بقيد الألفاظ لتقريبها من أذهاننا بعض التقريب ، فهي كالأمثال تضرب
__________________
(١) الميزان ، ج ٣ ، ص ٤٨.