وقوله تعالى : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(١) معناه ، لا ينيلهم رحمته.
قال رحمهالله : وليس النظر بمعنى الرؤية أصلا ، بدلالة أنهم يقولون : نظرت إلى الهلال فلم أره. فلو كان بمعنى الرؤية لتناقض ؛ ولأنّهم يجعلون الرؤية غاية للنظر ، يقولون : ما زلت أنظر إليه حتى رأيته ، ولا يجعل الشيء غاية لنفسه ، فلا يقال : ما زلت أراه حتى رأيته. قال : والنظر ـ في الأصل ـ تقليب حدقة العين نحو المرئي طلبا للرؤية ، فاستعمل في مطلق التأميل والتوقّع والانتظار.
قال : وليس لأحد أن يقول : إنّ ذا يخالف إجماع المفسرين القدامى ؛ لأنا لا نسلم ذلك ، بل قد قال مجاهد وأبو صالح (والحسن (٢)) وسعيد بن جبير والضحّاك : إن المراد نظر الثواب.
وروى مثله عن عليّ عليهالسلام ثم أخذ في التعمّق والاستدلال ، جزاه الله عن الإسلام خيرا (٣).
تفسير مجاهد برواية ابن أبي نجيح
هناك تفسير متقطع ومرتّب على السور ، يبتدئ من سورة البقرة حتى نهاية القرآن ، منسوب إلى مجاهد ، يرويه عنه أبو يسار عبد الله بن أبي نجيح يسار ، الثقفي الكوفي (توفّي سنة ١٣١) ، بطريق عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد الهمذاني ، عن إبراهيم الحسين الهمذاني ، عن آدم بن أياس ، عن ورقاء بن عمر اليشكري عن ابن أبي نجيح. وقد صحّحه الأئمّة واعتمده أرباب الحديث.
__________________
(١) آل عمران / ٧٧.
(٢) ضم الحسن إلى هؤلاء الأعلام يخالف ما نقلناه عن الطبري ، روى بإسناده عن الحسن ، قال : تنظر إلى خالقها ، وحقّ لها أن تنظر وهي تنظر إلى الخالق. (تفسير الطبري ، ج ٢٩ ، ص ١١٩ ـ ١٢٠)
(٣) أورد هذا البحث في موضعين من تفسيره القيم «التبيان» ، ج ١ ، ص ٢٢٧ ـ ٢٢٩ ، وج ١٠ ، ص ١٩٧ ـ ١٩٩.