القرآن ، أي أصله ومرجعه الأصيل.
قال ـ بصدد بيان نزول القرآن دفعة واحدة في ليلة القدر من شهر رمضان ، وأنه لم يكن هذا القرآن المتلوّ الذي بأيدي الناس ، فإنه نزل تدريجا بلا ريب ـ :
«والذي يعطيه التدبّر في آيات الكتاب أمر آخر ، فإن الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة القدر إنما عبّرت عن ذلك بلفظ الإنزال الدال على الدفعة ، دون التنزيل ، واعتبار الدفعة إما بلحاظ المجموع أو البعض ، وإما لكون الكتاب ذا حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي ، الذي يقضي فيه بالتفرق والتفصيل والانبساط والتدريج ، هو المصحّح لكونه واحدا غير تدريجي ونازلا بالإنزال دون التنزيل ؛ وهذا هو اللائح من الآيات الكريمة : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ)(١) فإن هذا الإحكام مقابل التفصيل ، والتفصيل هو جعله فصلا فصلا وقطعة قطعة ؛ فالإحكام كونه بحيث لا يتفصّل فيه جزء من جزء ، ولا يتميّز بعض من بعض ؛ لرجوعه إلى معنى واحد لا أجزاء فيه ولا فصول. والآية ناطقة بأن هذا التفصيل المشاهد في القرآن ، إنما طرأ عليه بعد كونه محكما غير مفصّل ، وأوضح منه قوله تعالى : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)(٢) فإنه ظاهر في أن هناك كتابا مبينا عرض عليه جعله مقروّا عربيّا ، وإنما ألبس لباس القراءة والعربية ليعقله الناس ، وإلّا فإنه في أم الكتاب عند الله عليّ لا يصعد إليه العقول ، حكيم لا يوجد فيه فصل فصل. فالكتاب المبين الذي هو أصل القرآن وحكمه
__________________
(١) هود / ١.
(٢) الزخرف / ٤.