الخالي عن التفصيل أمر وراء هذا المنزل وإنما هذا بمنزلة اللباس لذاك. (١)
ثم أحال تمام الكلام إلى بيانه الآتي حول آية المتشابهات ، قال هناك :
«الحق في تفسير التأويل أنّه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية ، وأنه موجود لجميع الآيات ، وأنّه ليس من قبيل المفاهيم بل من الأمور العينية المتعالية من أن يحيط بها شبكات الألفاظ ، وإنّما قيّدها الله بقيد الألفاظ لتقريبها من أذهاننا ، قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)(٢) وفي القرآن تصريحات وتلويحات بهذا المعنى (٣).
وبعد ، فلنتساءل : ما هو السبب الداعي لفرض وجودين للقرآن الكريم : وجودا لديه تعالى في كتاب مكنون ، لا يمسّه إلا المطهرون ، عاريا عن التجزئة والتفصيل ، متعاليا عن شبكات الألفاظ والعبارات ؛ ووجودا أرضيّا نزل تدريجا لهداية الناس ، وألبس لباس العربية لعلهم يعقلونه؟!
ولعله للنظر إلى قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ...)(٤) وقوله : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا)(٥) وقوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ...)(٦).
وقد ورد في الحديث ـ من طرق الفريقين ـ : أن القرآن نزل جملة واحدة في
__________________
(١) الميزان ، ج ٢ ، ص ١٤ ـ ١٦.
(٢) الزخرف / ٤.
(٣) الميزان ، ج ٣ ، ص ٤٩.
(٤) البقرة / ١٨٥.
(٥) الدخان / ٥.
(٦) القدر / ١.