قريبا منه. فلما انصرف الناس ، التفت أبو جعفر إليه ، فقال له : من أنت؟ قال : أنا قتادة بن دعامة البصري.
فقال له أبو جعفر : أنت فقيه أهل البصرة؟ قال : نعم ، فقال : ويحك يا قتادة ، إن الله تعالى خلق خلقا من خلقه ، فجعلهم حججا على خلقه ، وهم أوتاد في أرضه ، قوّام بأمره ، نجباء في علمه ، اصطفاهم قبل خلقه أظلّة عن يمين عرشه.
فسكت قتادة طويلا ، ثم قال : أصلحك الله ، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء ، وقدّام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ، ما اضطرب قدّامك! فقال أبو جعفر : أتدري أين أنت؟ بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال ، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، فأنت ثمّ ونحن أولئك! فقال قتادة : صدقت والله ، جعلني الله فداك ، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين (١).
وأخرج ـ أيضا ـ عن زيد الشحّام ، قال : دخل قتادة على أبي جعفر عليهالسلام وجرى بينهما كلام حتى انتهى إلى تأويل قوله تعالى : (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ. سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ)(٢) ، فقال له الإمام : ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال ، يروم هذا البيت ، عارفا بحقّنا ، يهوانا قلبه ، كما قال عزوجل :
__________________
(١) الكافي الشريف ، ج ٦ ، ص ٢٥٦ من كتاب الأطعمة. والبحار ، ج ١٠ ، ص ١٥٤ ، رقم ٤ وج ٢٣ ص ٣٢٩ رقم ١٠.
(٢) سبأ / ١٨.