ذلك القرآن ، على بساطته وعلوّ رفعته ؛ فهذا إشعاع من ذلك النور الساطع ، وإفاضة من ذلك المقام الرفيع. (١)
غير أن هذا كله تكلّف في التأويل ، وتمحّل في القول بلا دليل ، ولعلّنا في غنىّ عن البسط فيه والتذييل.
وأما الآيات التي استندوا إليها لإثبات وجود آخر للقرآن محفوظ عند الله ، في كتاب مكنون لا يمسّه إلّا المطهرون ... فهي تعني أمرا آخر غير ما راموه.
وليعلم أن المقصود من الكتاب المكنون ، هو : علم الله المخزون ، المعبّر عنه ب (اللوح المحفوظ) أيضا ، وهكذا التعبير ب (امّ الكتاب) كناية عن علمه تعالى الذاتي الأزلي ، بما يكون مع الأبد.
وقد ذكر العلامة الطباطبائي ـ في تفسير سورة الرعد حديثا عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «كل أمر يريده الله ، فهو في علمه قبل أن يضعه ، وليس شيء يبدو له إلّا وقد كان في علمه» قال ذلك تفسيرا لقوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(٢).
فقوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)(٣) يعني قضى الله في علمه الأزلي الحتم أن القرآن ـ في مسيرته الخالدة ـ سوف يشغل مقاما عليّا ، مترفعا عن أن تناله أيدي السفهاء ، حكيما مستحكما قوائمه ، لا يتضعضع ولا يتزلزل ، يشق طريقه إلى الأمام بسلام (٤).
__________________
(١) مباني وروشهاى تفسير ، ص ٧٣.
(٢) تفسير الميزان ، ج ١١ ، ص ٤٢٠ ، الرعد / ٣٩.
(٣) الزخرف / ٤.
(٤) راجع : الطبرسي ، مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٣٩. والطوسي ، التبيان ، ج ٩ ، ص ١٧٩. وأبا الفتوح الرازي ، ج ١٠ ، ص ٧٤. والفخر الرازي ، ج ٢٧ ، ص ١٩٤.