إذ من وظيفتنا أن نصفه تعالى بما وصف به نفسه في كلامه : سميع بصير ، حكيم عليم ، حيّ قيوم ... ولم نكلّف الولوج في معرفة حقائق هذه الصفات منسوبة إلى الله تعالى ؛ إذ ضربت دون معرفتها السّدد والحجب ، فلا سبيل إلى بلوغها ؛ فيجب التوقف دونها.
إذن فلا مساس لكلامه عليهالسلام هنا ، مع متشابهات الآيات التي لا ينبغي الجهل بها للراسخين في العلم ؛ حيث تحلّيهم بحلية العلم هي التي مكّنتهم من معرفة التنزيل والتأويل جميعا.
نعم لا نتحاشى القول بأنهم في بدء مجابهتهم للمتشابهات يقفون لديها ، وقفة المتأمّل فيها ؛ حيث المتشابه متشابه على الجميع على سواء ، لو لا أنهم بفضل جهودهم في سبيل كشفها وإرجاعها إلى محكمات الآيات صاروا يعرفونها في نهاية المطاف. فعجزهم البادئ كان من فضل رسوخهم في العلم ، بأنّ المتشابه كلام صادر ممن صدر عنه المحكم ، فزادت رغبتهم في معرفتها بالتأمّل فيها والاستمداد من الله في العلم بها ، ومن جدّ في أمر وجده بعون الله.
فوجه تناسب استشهاده عليهالسلام بهذه الآية بشأن الصفات محضا ، هو العجز البادئ لدى المتشابهات ، يقرّبه الراسخون في أوّل مجابهتهم للمتشابهات ، وإن كان الأمر يفترق في نهاية المطاف.
قال ابن أبي الحديد : إن من الناس من وقف على قوله : (إِلَّا اللهُ). ومنهم من لم يقف. وهذا القول أقوى من الأوّل ؛ لأنه إذا كان لا يعلم تأويل المتشابه إلّا الله لم يكن في إنزاله ومخاطبة المكلّفين به فائدة ، بل يكون كخطاب العربي بالزنجيّة ، ومعلوم أن ذلك عيب قبيح.
وأما موضع (يَقُولُونَ) من الإعراب ، فيمكن أن يكون نصبا على أنه حال من الراسخين ، ويمكن أن يكون كلاما مستأنفا ، أي هؤلاء العالمون بالتأويل ، يقولون :