لقيه بعد فسأله ، فقال عمر : كرهت أن يظلّوا معرسين بهنّ في الأراك (١) ، ثم يروحون في الحجّ تقطر رءوسهم (٢).
ولعلّها بقية من عقائد قديمة (٣) ، وقع مثلها في حياة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّا أثار غضبه.
فقد أخرج مسلم بإسناده عن عطاء : أن جماعة من صحابة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أهلّوا بالحج مفردا ، فقدم النبيّ صباح رابعة مضت من ذي الحجة ، فأمرهم أن يحلّوا ويصيبوا النساء ، قال عطاء : لم يعزم عليهم ولكن أحلّهنّ لهم. فقال بعضهم لبعض : ليس بيننا وبين عرفة إلّا خمس ، فكيف يأمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة ، تقطر مذاكيرنا.
فبلغ ذلك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقام فيهم ، وقال ـ مستغربا هذا الفضول من الكلام ـ :
قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبرّكم أبرّكم ، ولو لا هديي لحللت كما تحلّون. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى ، فحلّوا. قال جابر : فحللنا ، وسمعنا وأطعنا.
وفي رواية : فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا ... وفي أخرى : كيف نجعلها متعة وقد سمّينا الحج ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : افعلوا ما آمركم به ، ففعلوا (٤).
__________________
(١) يقال : أعرس الرجل بامرأته إذا بنى بها. والأراك : موضع قرب نمرة.
(٢) صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ٤٥ ـ ٤٦ باب نسخ التحلل.
(٣) قال ابن قيّم الجوزي : كانت العرب في الجاهلية تكره العمرة في أشهر الحج ، وكانوا يقولون : إذا أدبر الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر ، (زاد المعاد ، ج ١ ، ص ٢١٤) و (البخاري ، ج ٢ ، ص ١٧٥) و (مسلم ، ج ٤ ، ص ٥٦)
(٤) راجع : صحيح مسلم في عدة روايات ، ج ٤ ، ص ٣٦ ـ ٣٨. وصحيح البخاري ، ج ٢ ، ص ١٧٥ ـ ١٧٦.