فالبداء من البدوّ ، أي الظهور ، إنما يحصل للناس ، وكانت نسبته إلى الله مجازا بالمناسبة ؛ لأنه الذي يظهره لهم. وتشبيه في التعبير ، كأنّه بدا لله ، وهو في الحقيقة إبداء منه تعالى.
وإليك من دلائل الكتاب ما يدلك على هذه الحقيقة ، مشفوعة بنبذ من كلمات الأئمّة الأطهار.
١ ـ قال تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ، يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(١).
الآجال مقدّرة في الأزل حسب استعدادات الأشياء والأشخاص كلّ بحسب ذاته وطبعه ، لو لا عروض الطوارئ المغيّرة للآجال ، والتي لا يعلمها سوى الله ، ومن ثم يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ، أي العلم النهائي المكنون في اللوح المحفوظ.
فعلمه تعالى التدبيري لأحوال الخلق علمان : علم مخزون لا يعلمه سوى الله ، وهو المسمى باللوح المحفوظ. وعلم علّمه ملائكته وأنبياءه وسائر أوليائه ، وهو الذي يصير فيه البداء ، المعبّر عنه بلوح المحو والإثبات.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : «إن لله علمين ، علم مكنون مخزون لا يعلمه إلّا هو ، من ذلك يكون البداء. وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه ونحن نعله» (٢).
قوله : «من ذلك يكون البداء» أي منشأ البداء هو ذلك العلم الأزلي المخزون الذي لا يتغير. فهناك علم يكون منه البداء ، وهو اللوح المحفوظ ، وعلم يكون فيه
__________________
(١) الرعد / ٣٩.
(٢) بحار الأنوار ، ج ٤ ، ص ١٠٩ ـ ١١٠ رقم ٢٧.