من أدق المسائل لأن المجيب عليها يجب أن يكون لديه ذهنية متوقدة وبديهة حاضرة للشرط الذي وضعه من أن الإجابة يجب أن تكون من القرآن الكريم ، فكانت إجابات الإمام الباقر (عليهالسلام) على وفق ذلك الشرط لعلمه الجم بآيات القرآن وسوره ومن ثم علمه بتفسير تلك الآيات وما تدل عليه من سياقها ، وقد سلّم طاوس على الرغم من علو منزلته بين العلماء بمكانة الإمام الباقر (عليهالسلام) عند ما أظهر إكباره له واحترامه لأجوبته عن تلك المسائل التي دارت هذه المناظرة حولها.
المناظرة الثانية : مع الحسن البصري (ت ١١٠ ه) (١)
وفد الحسن البصري إلى المدينة المنورة فعرج على الإمام أبي جعفر الباقر (عليهالسلام) وجرت بينهما مناظرة طويلة أفحم الإمام فيها الحسن البصري ، غير أن المصادر التي ذكرتها قد أهملت ذكر السنة التي التقيا فيها وأغلب الظن أن مثل هذه المناظرات التي جرت في المدينة المنورة هو أن هؤلاء الأعلام كانوا يؤدون مناسك الحج فيقصدون المدينة لزيارة قبر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فيصادف أن يلتقوا بالإمام الباقر (عليهالسلام) من جهة وأن المدينة المنورة في عصر الإمام الباقر (عليهالسلام) كانت مركز الإشعاع الفكري الإسلامي الأصيل فكان يقصدها العلماء وطلاب العلم من مختلف الأمصار الإسلامية من جهة ثانية.
روي أن الحسن البصري دخل على الإمام الباقر (عليهالسلام) فقال له : جئت لأسألك عن أشياء من كتاب الله ، فقال له الإمام ألست فقيه أهل البصرة؟ قال الحسن : قد يقال ذلك ، قال له الإمام : هل بالبصرة أحد تأخذ منه؟ قال الحسن : لا ، قال الإمام : فجميع أهل البصرة يأخذون عنك؟ قال الحسن : نعم ، قال له الإمام : لقد تقلدت عظيما من الأمر ، بلغني عنك أمر فما أدري أكذاك أنت أم
__________________
(١) هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري الفقيه ، الفاضل ، المشهور ، روى عن أنس وغيره ، وروى عنه حميد الطويل وخلائق. وثقه غير واحد من العلماء. قال ابن سعد : كان جامعا ، عالما ، رفيعا ، فقيها ، ثقة ، مأمونا ، عابدا ، ناسكا ، كثير العلم ، فصيحا ، جميلا ، وسيما. وقال العجلي ، تابعي ، ثقة ، ورجل صالح ، صاحب سنة. وذكره ابن حبان في الثقاة مات سنة (١١٠ ه). انظر بعض مصادر ترجمته : الطبقات الكبرى ، ابن سعد ، ٧ / ١ / ١١٤+ التاريخ الكبير ، البخاري ، ١ / ٢ / ٨٧+ المعارف ، ابن قتيبة ، ١٩٥+ معرفة الحديث ، الحاكم النيسابوري ، ٢٠٠+ عمدة القاري ، العيني ، ١ / ٢٤٥ وغيرها.