ومعنى الآية ـ والله أعلم ـ يريد بهذا (جلّ وعلا) أن من يلتجئ من أولئك المنافقين إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد في المهادنة وترك القتال ، أن هذا اللاجئ يترك لا يؤسر ولا يقتل ، لأنه ـ والحال هذه ـ يكون مسالما للمسلمين تماما كالذين التجأ إليهم فيعامل معاملتهم في عدم التعرض له ، ومن المفيد أن ننقل ما قاله الرازي هنا : أعلم أن ذلك يتضمن بشارة عظيمة لأهل الإيمان ، لأنه تعالى لما رفع السيف عمن التجأ إلى المسلمين فان يرفع العذاب في الآخرة عمن التجأ إلى محبة الله ومحبة رسوله كان أولى (١).
٨ ـ في قوله تعالى : (... سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها ...)(٢).
اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية :
ـ عن ابن عباس ومجاهد : أنها نزلت في أناس كانوا يأتون النبي (صلىاللهعليهوآله) فيسلمون رياء ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا قومهم ويأمنوا نبي الله فأبى الله ذلك عليهم (٣).
ـ عن السدي : أنها نزلت في نعيم بن مسعود الاشجعي كان ينقل الحديث بين النبي وبين المشركين (٤).
ـ والمروي عن الإمام أبي جعفر الباقر : أنها نزلت في عيينة بن حصن الفزاري وذلك أنه أجدبت بلادهم فجاء إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ووادعه على أن يقيم ببطن نخل ولا يتعرض له ، وكان منافقا ملعونا وهو الذي سماه رسول الله الأحمق المطاع في قومه (٥).
ومهما يكن من أمر في سبب نزول هذه الآية إلا أن اختبار الطبري هو المستفاد
__________________
(١) التفسير الكبير ، الرازي ، ١٠ / ٢٢٩.
(٢) النساء ، ٩١.
(٣) جامع البيان ، الطبري ، ٥ / ١٢٠+ معاني القرآن ، الفراء ، ١ / ٢٨٢.
(٤) جامع البيان ، الطبري ، ٥ / ١٢٧.
(٥) مجمع البيان ، الطبرسي ، ٥ / ٨٨.