من الحزن واحتاج حاجة شديدة وتغيرت حاله ، وقال : وكان يمتار القمح من مصر لعياله في السنة مرتين للشتاء والصيف ، وأنه بعث عدة من ولده ببضاعة يسيرة إلى مصر مع رفقة خرجت فلما دخلوا على يوسف وذلك بعد ما ولاه العزيز مصر ، فعرفهم يوسف ولم يعرفه أخوته لهيبة الملك وعزته ، فقال لهم : هلموا بضاعتكم قبل الرفاق وقال لفتيانه : عجلوا لهؤلاء الكيل وأوفوه. فإذا فرغتم فاجعلوا بضاعتهم هذه في رحالهم ولا تعلموهم ذلك ، ففعلوا ثم قال لهم يوسف : قد بلغني أنه كان لكم أخوان لأبيكم فما فعلا؟ قالوا : أما الكبير منهما فان الذئب أكله وأما الصغير فخلفناه عند أبيه وهو به ضنين وعليه شفيق. قال : فإني أحب أن تأتوني به معكم إذا جئتم لتمتاروا (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ* قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ)(١) ، فلما رجعوا إلى أبيهم فتحوا متاعهم (وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ)(٢)(فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ* قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ)(٣) فلما احتاجوا إلى الميرة بعد ستة أشهر بعثهم يعقوب ، وبعث معهم بضاعة يسيرة وبعث معهم بنيامين وأخذ عليهم (مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ)(٤) أجمعين ، فانطلق الأخوة حتى دخلوا على يوسف فقال لهم : معكم بنيامين ، قالوا : نعم هو في الرحل ، قال لهم : فأتوني ، فأتوه به وهو في دار الملك ، فقال : ادخلوه وحده ، فادخلوه عليه فضمه يوسف إليه وبكى وقال له : أنا أخوك يوسف فلا تبتأس بما تراني أعمل ، واكتم ما خبرتك به ولا تحزن ولا تخف فيما أخرجه إليهم ، وأمر فتيته أن يأخذوا بضاعتهم ، ويعجلوا
__________________
(١) يوسف / ٦٠ ـ ٦١.
(٢) يوسف / ٦٥.
(٣) يوسف / ٦٣ ـ ٦٤.
(٤) يوسف / ٦٦.