وقد كانت هذه الرواية من الأدلة الخاصة بالإمامية ، وهي تكشف أيضا عن مدى اهتمام المسلمين بمثل هذه القضايا زمن الإمام الباقر من جهة وتوضح الدور الفعال الذي كان يقوم به الإمام في بلورة فهم إسلامي صميم مستندا على القرآن الكريم والسنة المطهرة من جهة أخرى في الخوض بمباحث النبوة وما يتصل بها.
ثانيا : في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...)(١) ، روي بسند صحيح عن عبد الرحيم القصير قال : قال الإمام أبو جعفر (عليهالسلام) : كشط الله له عن الأرضين حتى رآهن وما تحتهن وعن السموات حتى رآهن وما فيهن من الملائكة وحملة العرش (٢).
ونقل ابن الجوزي أقوال المفسرين في هذه الآية ، فعن مجاهد : ملكوت السموات والأرض : آياتها ، تفرجت له السموات السبع حتى العرش فنظر فيهن ، وتفرجت له الأرضون السبع فنظر فيهن ، وقال قتادة : ملكوت السموات : الشمس والقمر والنجوم ، وملكوت الأرض : الجبال والشجر والبحار ، وقال السدي : أقيم على صخرة ، وفتحت له السموات والأرض فنظر إلى ملك الله (عزوجل) ، حتى نظر إلى العرش وإلى منزله من الجنة ، وفتحت له الأرضون السبع حتى نظر إلى الصخرة التي عليها الأرضون (٣).
يتضح مما نقله أبو الفرج إن قول مجاهد وكذلك السدي كان قريبا من قول الإمام الباقر في هذه الآية وحصر قتادة لملكوت السماوات والأرض بتلك المسميات فقط دعوى بلا دليل.
ولم ينقل الزمخشري أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين في هذه الآية واكتفى بالقول : ملكوت السموات والأرض يعني الربوبية والألوهية ، فنوفقه إلى معرفتها ونرشده بما شرحنا صدره وسددنا نظره وهديناه لطريق الاستدلال (٤).
__________________
(١) الأنعام / ٧٥.
(٢) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ١ / ٢٦٣+ تفسير القرآن ، القمي ، ١ / ٣٤+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٢ / ٣٢٢+ مقتنيات الدرر ، الحائري ، ٤ / ١٩٨.
(٣) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٣ / ٢٧٠.
(٤) الكشاف ، الزمخشري ، ٢ / ٤٠.