سابعا : وفي إطار الوحي ، فقد كان للإمام الباقر جهد واضح في التفريق بين أنواعه والتمييز بين ألفاظه ، فقد ورد عنه في تفسير قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(١) بسند صحيح عن زرارة بن أعين أن الإمام الباقر سئل عن هذه الآية فقال : الهام (٢).
وذهب ابن كثير إلى هذا التفسير في قوله المراد بالوحي هنا : الإلهام والهداية ، والإرشاد أن تتخذ من الجبال بيوتا تأوي إليها (٣) ، واختار هذا القول أيضا ابن جزي في قوله : الوحي هنا بمعنى الإلهام ، فإن الوحي على ثلاثة أنواع : وحي كلام ، ووحي منام ، ووحي الهام (٤) ، وهو اختيار النسفي أيضا (٥).
وذكر ابن الجوزي في تفسير هذه الآية قولين : أحدهما : أنه الهام ، وبه قال مجاهد والضحاك ومقاتل ، والثاني : أنه أمر ، رواه العوفي عن ابن عباس (٦).
وأيد القرطبي تفسير الإمام الباقر للوحي بمعنى الإلهام في قوله : أنه قد يكون بمعنى الإلهام وهو ما يخلقه تعالى في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر (٧).
يتبين من تفسير الإمام الباقر وأقوال المفسرين من بعده لهذه الآية أصل لمنهج يتجه لتحديد المصطلح القرآني من خلال الفهم العام للقرآن الكريم ، ثم من خلال الاستعانة بالسياق ، فللوحي كما هو معروف لغة معاني كثيرة إذا أخذ الأمر على إطلاقه فمنه الإشارة ومنه الكلام الخفي ومنه الأمر ، لكنه هنا باعتبار المخاطب فهو الهام ثبت بتفسير الإمام.
ثامنا : وفي رواية أخرى في إطار أنواع الوحي عن زرارة بن أعين عن الإمام أبي جعفر الباقر قال : الأنبياء على خمسة أنواع : منهم من يسمع الصوت مثل
__________________
(١) النحل / ٦٨.
(٢) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٢٦٣+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٣٧٥+ قلائد الدرر ، الشيخ الجزائري ، ٣ / ٣١٢.
(٣) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٤ / ٢٠٥.
(٤) التسهيل لعلوم التنزيل ، ابن جزي ، ٢ / ١٧٥.
(٥) مدارك التنزيل ، النسفي ، ٢ / ٢٩٢.
(٦) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٤ / ٤٦٥.
(٧) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١٠ / ١٣٣.