يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير أما تسمع لقوله عزوجل : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(١) فلما بلغ عيسى (عليهالسلام) سبع سنين تكلم بالنبوة والرسالة حين أوحى الله إليه ، فكان عيسى الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين (٢).
ويؤيد ما ذهب إليه الإمام الباقر النسفي في قوله : أنه كان في المهد نبيا وكلامه معجزته (٣) ، ولكنه لم يفصل ما فصله الإمام الباقر.
واختار ابن الجوزي القول في معنى الآية أي يؤتيني الكتاب ويجعلني نبيا إذا بلغت ، فحل الماضي محل المستقبل (٤) ، وهو ما ذهب إليه سفيان الثوري قبله (٥).
وأيد القرطبي قول الإمام في أن تكلم عيسى في المهد كان رحمة لأمه مريم وحجة على الناس فإن كان التفسير كذلك فقد خلص القرطبي إلى تصويبه وإن كان خلاف ذلك اعتبر القول الثاني هو الصحيح (٦).
وأخيرا فإن في النص المتقدم عن الإمام الباقر تفريقا بين كون وضع سيدنا عيسى (عليهالسلام) حين تكلم في المهد آية ـ أي معجزة للناس ـ ورحمة لمريم (عليهاالسلام) وحجة على من سمع لأنه دعى إلى نفسه مستدلا على ذلك بالقرآن الكريم بوجوب التمسك بما ورد عن الأنبياء ، وفيها من جهة المنهج وجوب تفسير المشكل من بعض الكتاب بالكتاب.
والذي نستشفه أيضا أن ظاهرة تفسير القرآن بالقرآن في أقوال وآراء الإمام الباقر بارزة ، فما أن يشكل الناس على تفسيره بشيء حتى يسند قوله بما يفسر تلك الآية من القرآن نفسه ، ومن ذلك نعرف أن سياقات التفسير عند الإمام إشارة بوضوح إلى اعتماد منهج تفسير القرآن بالقرآن كأولى المناهج كما وضحنا في الفصل الرابع في الباب الأول من هذه الرسالة.
__________________
(١) مريم / ١٢.
(٢) الصافي في تفسير القرآن ، ٢ / ٤٣ ـ ٤٤+ الكافي ، الكليني ، ٤ / ٥٦.
(٣) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٥ / ٢٢٩.
(٤) مدارك التنزيل ، النسفي ، ٣ / ٣٤ ..
(٥) تفسير القرآن الكريم ، سفيان الثوري ، ١٤٣. وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال : قضى فيما قضى أن أكون كذلك ، ظ : الدر المنثور ، السيوطي ، ٤ / ٢٧٠.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ، ١١ / ١٠٢ ـ ١٠٣.