قال ابن الجوزي : في معنى الطوع والكره ستة أقوال : أحدها : إن إسلام الكل كان يوم الميثاق طوعا وكرها ، رواه مجاهد عن ابن عباس والأعمش عن مجاهد وبه قال السدي.
والثاني : أن المؤمن يسجد طائعا والكافر يسجد ضلة وهو كاره ، عن ابن عباس وليث عن مجاهد.
والثالث : أن الكل أقروا له بأنه الخالق ، وإن أشرك بعضهم فاقراره بذلك حجة عليه في إشراكه ، هذا قول أبي العالية ورواه منصور عن مجاهد.
والرابع : أن المسلم أسلم طائعا والكافر أسلم مخافة السيف ، قول الحسن.
والخامس : أن المؤمن أسلم طائعا والكافر أسلم حين رأى بأس الله ، قول قتادة.
والسادس : انقاد كلهم له ، عن الشعبي (١).
ولم يرجح ابن الجوزي واحدا من هذه الأقوال ، ويمكننا القول أن الرأي الثالث يطابق ولو من وجه رأي الإمام الباقر أو هو قريب منه ، فإنه ـ أي الإمام الباقر ـ فسّرها بالرجوع إلى آية أخرى وهي قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ* لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) وما ذاك إلا قسم المشركين فإنهم أقروا بخالقهم ولكنهم أنكروا البعث والمعاد ولسوف يريهم الله تبارك وتعالى كذب دعواهم يوم يبعثهم والخلائق أجمعين ، وبه تتضح معاني الانقياد لله تعالى بأحسن صورها.
ويؤيد صدق ما ذهبنا إليه ، تفسير قوله تعالى : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ) في الآية المتقدمة والتي قال عنها ابن الجوزي : فيها قولان ، وذكر الثاني بعد ذكر سبب نزول هذه الآية فقال : أنهم المشركون ، يبين لهم بالبعث ما خالفوا المؤمنين به (٢).
__________________
(١) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ١ / ٤١٧.
(٢) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٤ / ٤٤٧.