وأيد ذلك القرطبي في قوله : ووجه التعجيب أنهم يظهرون تعظيم الله فيقسمون به ثم يعجزونه عن بعث الأموات (١) ، وهذا ما مال إليه ابن كثير أيضا (٢).
واستدل بعض المفسرين لتفسير الآية المتقدمة بغير ما استدل به الإمام الباقر من أن المشركين يقسمون بالله ويعظمونه ثم ينكرون البعث ، بل ذهبوا إلى الاستدلال بمسألة الخلق ، فمثلا قال سفيان الثوري عن مجاهد : هي كقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(٣)(٤).
ومن هذا يتبين من انفراد الإمام الباقر في تفسيره لهذه الآية حيث أنه فسرها بآيتين من سورة أخرى ، في الوقت نفسه فيها التنكيل بالقائلين بانكار البعث والمعاد فلم يكن انفراده في اختياره لتلك الآيتين للاستدلال فقط ، لأن ذلك كان بمقدور غيره من المفسرين أيضا بل أنه اختارهما ليبين ضعف ما ذهب إليه الدهرية وبطلانه الذين حاولوا التشويش على عقائد المسلمين في عصر الإمام الباقر ، فهو قد شارك في الرد عليهم والوقوف بوجه أفكارهم شأنه شأن علماء الأمة الكرام في عصره والعصور التي تلته.
ثالثا : وفي تسجيل موقف من مواقف يوم القيامة وما يدور به من أحداث ، أكد الإمام الباقر على أن المعاد والبعث يكون روحيا وجسميا معا ، فقد روى عبد الله بن عطاء المكي قال : سألت أبا جعفر الباقر عن قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٥) فقال الإمام : ينادي مناد يوم القيامة يسمعه الخلائق أنه لا يدخل الجنة إلا مسلم فيود سائر الخلق أنهم كانوا مسلمين (٦).
ذكر ابن الجوزي اختلاف المفسرين في متى يقع هذا من الكفار على قولين ، أحدهما : أنه في الآخرة على أربعة أقوال : أحدها : أن الله يخرج أهل القبلة من النار بعد أن يسمع مناقشة الكفار لهم في جهنم فيود الذين كفروا أنهم كانوا
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ١٠ / ١٠٥.
(٢) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٤ / ٤٩٥.
(٣) الزخرف / ٨٧.
(٤) تفسير القرآن الكريم ، سفيان الثوري ، ٣٧+ جامع البيان ، الطبري ، ٣ / ٢٢١+ الدر المنثور ، السيوطي ، ٢ / ٤٨.
(٥) الحجر / ٢.
(٦) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٢٣٩+ تفسير القرآن ، القمي ، ٢ / ٣٢٥.