أما سمو أخلاقه وحبه للعلم والعلماء وحثه على طلب العلم وعبادته وتقواه وصدقاته وبره وعلمه وفضله فقد أكثر المؤرخون في الكلام عليها والتمثيل لها بنماذج فريدة من بعض صور حياته اليومية ومفرداتها (١).
مما جعلت لديه خزينا فكريا رائعا تجمعت جزئياته وتفصيلاته من تجاربه وتجارب الآخرين وقد حاول أن يصب ذلك الخزين في فكر ولده الإمام أبي جعفر الباقر (عليهالسلام) فجعله على شكل وصايا يوصيه بها بين الحين والآخر مطمئنا بأن أولى الناس بالاقتداء بها والسير على هديها هو ابنه الباقر (عليهالسلام) لما رباه عليه من التقى والورع والعمل الصالح لوجه الله تعالى ، ومن بعض وصاياه له :
قال الإمام زين العابدين لولده الباقر : افعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان أهلا فقد أصبت موضعه وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله ، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره (٢).
حفلت هذه الوصية بمكارم الأخلاق التي طبعت عليها نفوس أهل البيت ، فإن الحث على فعل الخير ، والصفح عن المسيء ومقابلة الإساءة بالإحسان كل ذلك كان من ذاتياتهم ومن أبرز ما عرفوا به.
وقال الإمام الباقر (عليهالسلام) كان أبي علي بن الحسين يقول لولده : اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل لأن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير (٣).
لقد ربى الإمام علي بن الحسين ولده على محاسن الأعمال وغرس في نفوسهم معالي الأخلاق ، ونهاهم عن كل ما يوجب الانحطاط في سلوكية الإنسان بوضع منهج مميز يسيرون عليه في حياتهم على مرضاة الله سبحانه وتعالى وقربه وإلى مجد تليد تشهد به الأجيال جيلا بعد جيل على مر العصور والأيام.
__________________
(١) صفوة الصفوة ، ابن الجوزي ، ٢ / ٥١+ مكارم الأخلاق ، الطبرسي ، ١٤٣+ بحار الأنوار ، المجلسي ، ٢ / ٨٣+ حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ١٣٦+ مناقب الطالبيين ، ابن شهرآشوب ، ٤ / ١٤٨.
(٢) تحف العقول ، ابن شعبة الحراني ، ٢٨٢.
(٣) وسائل الشيعة ، الحر العاملي ، ٣ / ٢٣٢+ كفاية الأثر ، الخزاز ، ٣١٩.