ابن انس ذكر ذلك أبو جعفر عنهم (١) ، ومال إليه وصوبه الطبري الذي احتج بعدم التعارض بين الآيتين لأنه لم يصح به خبر عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ولم يجمع عليه علماء المسلمين (٢) ، وكذلك ابن الجوزي وعده صحيحا (٣) ، والقرطبي (٤) وقدمنا أن هذا القول كان اختيار الإمام الباقر المتقدم زمنا على بعض أولئك الأعلام.
وأخيرا كان الإمام الباقر من فقهاء المدينة البارزين ، ومن الطبقة الثالثة من التابعين ، ولا بد أن تكون له منهجية يسلكها عند إصداره للفتوى ليصل بها إلى النتائج التي هي ثمرات علمه ، والإمام فقيه كان له المنزلة العالية في منهجه العلمي الذي سلكه ، ومن خلال ما تقدم من عرض أقواله وآرائه في تفسير آيات الأحكام يمكن أن نستخلص أهم مميزات منهجه الفقهي فيها ، وهي :
١ ـ تعويله على القرآن الكريم والسنة الشريفة وإجماع الصحابة أولا واحتكامه إليها ، وهذه أول قاعدة أصولية يبني عليها الفقه الإسلامي فهو ممن يتشدد في الآخذ بالأثر ويتمسك به.
٢ ـ تعمقه في المحاورات الفقهية وبيان وجهة استدلاله ، أن كانت من القرآن الكريم ، أو السنة الشريفة أو من غيرهما ، وأوضح ما يكون ذلك في مناظراته الفقهية.
٣ ـ التيسير في الأحكام واستيعابه لأحوال الناس عند إصدار الفتوى ، لأنه كان يدرك بأن الإسلام ليس مجموعة من النظم والقوانين التي توقع المسلم في الحرج والضيق ، بل هو تنظيم الهي متكامل يهدف إلى تشييد حياة إنسانية فاضلة.
٤ ـ دعمه وتشجيعه لاجتهادات الآخرين في حدود المشروعية الفقهية أن كانت مخالفة لآرائه أو موافقة لها وكان يشجع من يجد فيه قدرة على الإفتاء ، فقد قال مرة لأحد تلامذته : اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس (٥).
__________________
(١) الناسخ والمنسوخ ، النحاس ، ١٢٩.
(٢) جامع البيان ، الطبري ، ١٠ / ٣٣٠.
(٣) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ٢ / ٣٦١.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٦ / ١٨٤.
(٥) معجم رجال الحديث ، الخوئي ، ١ / ٢١ ـ ٢٢.