تعالى : (يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ)(١) ، فإنّ المعروف من اليد هو العضو المخصوص ، ويستحيل ذلك على الله تعالى لاستلزامه التجسيم وهو مما يمتنع عقلا على الله تعالى ، فقد سأل محمد بن مسلم الإمام أبا جعفر الباقر (عليهالسلام) فأجابه : اليد في كلام العرب القوة والنعمة ، قال تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ)(٢) وقال تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ ...)(٣) أي بقوة ، وقال تعالى : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)(٤) ، ويقال لفلان عندي أيادي كثيرة أي : فواضل وإحسان ، وله عندي يد بيضاء أي نعمة (٥).
ومعنى هذا أن اليد لم تستعمل هنا في معناها المعروف المخصوص وإنما استعملت في غيره أما مجازا أو حقيقة بناء على إنها مشتركة اشتراكا لفظيا في هذه المعاني التي وضحها الإمام.
ولم يكن الإمام ليكتفي بهذا كله دون معرفة ما يعنيه القرآن الكريم ويقصده ، بل كان ولوعا بفهمه ومعرفة معانيه ، ولهذا كان يحذر من الذين يرددون ألفاظه بدون فهم ومعرفة لمعانيه ، فيكتب في رسالته إلى بعض أصحابه معرضا وذاما للذين يؤولون آياته حسب أهوائهم قال فيها : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه ، وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية (٦).
والرعاية هنا هي معرفة ما يقتضيه الخطاب ويستدعيه البيان ، فلا أثر عنده لكثرة قراءة القرآن الكريم وتلاوته دون التدبر في معانيه ومعرفة مراميه ، ومما يؤكد اهتمامه بمعرفة المعاني القرآنية هو ورود ذلك الكم الهائل من الروايات التفسيرية المنقولة عنه.
__________________
(١) ص / ٧٥.
(٢) ص / ١٧.
(٣) الذاريات / ٤٧.
(٤) المجادلة / ٢٢.
(٥) التوحيد ، الشيخ الصدوق ، ٣٢+ ناسخ التواريخ ، محمد تقي الكاشاني ، ١ / ٤٣٤.
(٦) الوافي ، الفيض الكاشاني ، ٣ / ٢٧٥.