نشأ زيد الشهيد في بيوت النبوة والإمامة وتعاهده أبوه علي بن الحسين بالرعاية والتربية فتأثر بسلوكه وانطبعت في نفسه خصائص الورع والزهد والتقوى والتحرج في الدين ، وبعد وفاة أبيه لازم أخاه الإمام الباقر (عليهالسلام) صبيا ثم شابا يافعا فكان من البدهي أن يكون لهذه الصحبة أثر عظيم في سلوكه وتكوين شخصيته (١).
وقد أخلص الإمام زيد في العبادة والإنابة إلى الله ، فكان من أبرز المتقين في عصره ، يقول عاصم بن عبيد العامري : رأيته وهو شاب في المدينة يذكر الله فيغشى عليه ، حتى يقول القائل ما يرجع إلى الدنيا (٢)
وكان يعرف عند أهل المدينة بحليف القرآن ، وقد ترك السجود أثره في وجهه لكثرة صلاته طوال الليل (٣).
فكان بذلك من عداد كبار العابدين في التاريخ العربي الإسلامي.
أما علمه فقد كان زيد من علماء عصره البارزين في الحديث والفقه والتفسير ، وخير ما نستدل به على قولنا هذا هو ما شهد به الإمام الباقر (عليهالسلام) نفسه لزيد بالعلم والإيمان أبان حياته ، فقد روي أن جابر بن يزيد الجعفي سأل الإمام الباقر (عليهالسلام) عن زيد فأجابه : سألتني عن رجل مليء إيمانا وعلما من أطراف شعره إلى قدمه (٤) وفي رواية أخرى قال : إنّ زيدا أعطى من العلم بسطة (٥) وقد تحدث زيد بن علي عن سعة علومه ومعارفه حينما أعد نفسه للثورة على الحكم الأموي فقال : والله ما خرجت ولا قمت مقامي هذا ، حتى قرأت القرآن وأتقنت الفرائض وأحكمت السنة والآداب ، وعرفت التأويل كما عرفت التنزيل ، وفهمت الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والخاص والعام ، وما تحتاج إليه الأمة في دينها مما لا بد لها منه ولا غنى عنه وإني لعلى بينة من ربي (٦).
__________________
(١) حياة الإمام الباقر ، القرشي ، ١ / ٦٣ وما بعدها.
(٢) مقاتل الطالبيين ، أبي الفرج الأصفهاني ، ١٢٨.
(٣) الخرائج والجرائح ، قطب الدين الراوندي ، ٣٢٨+ مقاتل الطالبيين ، أبي الفرج الأصفهاني ، ١٢٨.
(٤) مقدمة مسند الإمام زيد ، ٨.
(٥) المصدر نفسه ، ٧.
(٦) الخطط والآثار ، المقريزي ، ٢ / ٤٤٠+ حياة الإمام الباقر ، القرشي ، ١ / ٦٤.