يقول له : ويحك يا أفلح لم لا أرفع صوتي بالبكاء لعل الله ينظر إلي برحمة فأفوز بها عنده غدا ، قال : ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه (١).
بهذا النص توضح لدينا أنه (عليهالسلام) كان غاية في الورع والتقوى وشدة الخشية لله تعالى حتى كأن ذنوب العالم ـ حاشا لله ـ قد ركبت ظهره وأثقلت كاهله لجرمه وجريرته ولكنه التأدب مع الله سبحانه وتعالى وزيادة الإيمان به والمعرفة له لأن العبد كلما أصبح قريبا منه تبارك وتعالى ازداد وجلا وخشية وتضرعا من جهة وإنه أراد أن يؤدب طلابه وتلامذته ومريديه والمسلمين جميعا ويعلمهم كيفية الوقوف بين يدي الباري (عزوجل) من جهة أخرى ، فكان بذلك نبراسا وهاجا يضيء ظلمة القلوب والجوارح.
أما عن ذكره لله سبحانه وتعالى فيقول مؤرخو سيرته إنه كان دائم الذكر لله ، وكان لسانه يلهج بذكر الله في أكثر أوقاته فكان يمشي ويذكر الله ، ويحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكره سبحانه ، وكان يجمع ولده ويأمرهم بذكر الله حتى تطلع الشمس كما كان يأمرهم بقراءة القرآن ، ومن لا يقرأ منهم أمره بذكر الله (٢).
ثانيا : سماته في أخلاقه وسجاياه
تميز الإمام الباقر (عليهالسلام) بصفات أهلته بأن يكون موئل العلماء ومقصد الناس جميعا في كل طبقاتهم وشرائعهم ومعتقداتهم ، وهذه الصفات أكثر ما كانت تدور عليه هي تلك الأخلاق الرفيعة التي سمت به عن كل ما يشوب شخصيته المتميزة فكان يعدّ بحق من أجل الناس قدرا بشهادة العلماء والفضلاء من أقرانه ومعاصريه وكذلك ممن جاء بعدهم ويمكن أن نحصر تلك الصفات إجمالا بما يأتي :
__________________
(١) ظ : مخطوطة تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ج ٥١ / الورقة ٤٤+ مخطوطة مرآة الزمان ، سبط ابن الجوزي ، ج ٥ / الورقة ٧٩+ صفوة الصفوة ، ابن الجوزي ، ٢ / ٦٣+ نور الأبصار ، الشبلنجي الشافعي ، ١٣٠.
(٢) أعيان الشيعة ، محسن الأمين ، ق ١ / ٤ / ٤٧١.