وكان الإمام الباقر (عليهالسلام) يردد بين أصحابه وتلامذته عبارة تنم عن مدى تعلقه بمحبة الله سبحانه وتعالى وانقطاعه إليه ، فقد روي أنه قال : إذا بلغ الرجل أربعين سنة نادى مناد من السماء : دنا الرحيل فأعد زادا (١).
وما الزاد الذي أراده الإمام غير تقوى الله والابتعاد عن نواهيه والامتثال لأوامره ، فخير الزاد التقوى.
وكان كثيرا ما يناجي ربه في جوف الليل ويتضرع إليه مظهرا أرقى معاني العبودية لله تعالى ، فقد روى عنه ابنه الإمام جعفر الصادق (عليهالسلام) قال : كان أبي يتضرع لله سبحانه وتعالى في جوف الليل ويقول في تضرعه : أمرتني فلم أأتمر ، وزجرتني فلم أنزجر ، ها أنا ذا عبدك بين يديك ولا أعتذر (٢).
وما هذه المناجاة إلا صورة رفيعة من صور الاعتذار والإنابة لأن الاعتراف بالتقصير إزاء نعم الله سبحانه وتعالى ما هو إلا اعتراف بذنب ثم لتوبة عنده (عزوجل).
أما عن حجه فإنني لم أظفر ـ في حدود ما اطلعت عليه ـ سوى على ثلاثة نصوص ، اثنان منها بينت بعض محاورات الإمام الباقر (عليهالسلام) مع هشام بن عبد الملك (٣) ، والآخر مع بعض الحجاج الذين يستغلون فرصة وجود الإمام للسؤال والاستفسار (٤) ، والنص الثالث هو الوحيد الذي أعطانا بعض الجوانب مع حج الإمام الباقر (عليهالسلام) ونراه يكفي ليوضح لنا مدى انقطاعه لله مظهرا أثار الخشوع والطاعة عليه ، فقد روي عن أفلح مولاه قال : خرجت مع محمد بن علي حاجا فلما دخل المسجد الحرام نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته ، فقلت : بأبي أنت وأمي إن الناس ينظرون إليك فلو رفقت بنفسك قليلا ، فلم يعن به الإمام وراح
__________________
(١) ربيع الأبرار ، الزمخشري ، ٢ / ٤٢٥.
(٢) حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ١٨٢+ صفوة الصفوة ، ابن الجوزي ، ٢ / ٦٣+ نور الأبصار ، الشبلنجي الشافعي ، ١٣٠.
(٣) ظ : مخطوطة الدر النظيم ، ابن حاتم ، الورقة ١٨٥+ المشرع الروي ، الشلي ، ٢ / ٣٣٨+ الفصول المهمة ، ابن الصباغ المالكي ، ١٩٦.
(٤) البداية والنهاية ، أبي الفداء الدمشقي ، ٩ / ٣١١+ دلائل الإمامة ، ابن رستم الطبري ، ١٠٤+ الإرشاد ، الشيخ المفيد ، ٢٩٦.