هشام بن عبد الملك ، أقبل الناس ينثالون على الإمام ليسألوه عن أمور دينهم ، وكان عكرمة البربري (١) من الحجاج فلما رآه قال : من هذا الذي عليه سيماء زهرة العلم ، لأجربنه. فلما مثل بين يديه ارتعدت فرائصه وأسقط ، في يده وقال : يا بن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لقد جلست مجالس كثيرة بين يدي ابن عباس وغيره فما أدركني ما أدركني آنفا ، فأجابه الإمام بما يطيب خاطره ويخفف من روعه وارتباكه (٢).
وكذلك ما جرى بينه وبين قتادة بن دعامة فقيه أهل البصرة عند ما تشرف في مقابلته على ما رواه العلماء (٣).
وروى عبد الله بن عطاء المكي فقال : ما رأيت العلماء قط أصغر منهم عند أبي جعفر (٤).
فهذه الرواية توضح لنا جانبا آخر من جوانب هيبة الإمام ووقاره ، ومما رواه أكثر المؤرخين أن الإمام الباقر (عليهالسلام) لم ير ضاحكا وإذا ضحك كان يقول اللهم لا تمقتني (٥).
باعتبار أن الضحك وكثرته مما ينافي الوقار وسمو الشخصية فكان الإمام مبتعدا عنه متجنبا له منشغلا بذكر الله عما سواه.
__________________
(١) عكرمة بن عبد الله البربري المدني ، أبو عبد الله ، مولى عبد الله بن عباس ، تابعي ، كان من أعلم الناس بالتفسير والمغازي ، طاف البلدان ، وروى عنه زهاء ثلاثمائة رجل ، منهم أكثر من سبعين تابعي ، وذهب إلى نجدة الحروري فأقام عنده ستة أشهر ثم كان يحدث برأي نجدة ، وخرج إلى بلاد المغرب فأخذ عنه أهلها رأي (الصفرية) وعاد إلى المدينة فطلبه أميرها فتغيب عنه حتى مات سنة (١٠٥ ه) وكانت وفاته بالمدينة هو وكثير عزة في يوم واحد ، فقيل ، مات أعلم الناس وأشعر الناس ، وكانت ولادته سنة (٢٥ ه) ، انظر مصادر ترجمته في : وفيات الأعيان ، ابن خلكان ، ١ / ٣١٩+ تهذيب التهذيب ، العسقلاني ، ٧ / ٢٦٣+ حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ٣٢٦+ ميزان الاعتدال ، الذهبي ، ٢ / ٢٥٨+ المعارف ، ابن قتيبة ، ٢٠١.
(٢) إثبات الهداة ، الحر العاملي ، ٥ / ١٧٦.
(٣) الكافي ، الكليني ، ٤ / ١٢٦+ الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ٢ / ١٧١.
(٤) حلية الأولياء الأصفهاني ، ٣ / ١٨٦+ عيون الأخبار ، ابن قتيبة ، ١٤+ تهذيب التهذيب ، العسقلاني ، ٢ / ١٣٣+ شذرات الذهب ، ابن العماد ، ١ / ١٤٥.
(٥) حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ١٨٩+ صفوة الصفوة ، ٢ / ٦٢.