٣ ـ حلمه وصبره
أما الحلم فقد كان من أهم صفاته التي تميز بها ، فقد أجمع المؤرخون أنه لم يسئ إلى من ظلمه واعتدى عليه قط وإنما كان على العكس من ذلك فهو يقابل المسيء بالصفح والإحسان والظالم له بالإغداق عليه من بره ومعروفه ، وروى المؤرخون صورا كثيرة من عظيم حلمه وصبره نذكر منها :
ـ أن رجلا كتابيا هاجم الإمام الباقر (عليهالسلام) واعتدى عليه ، وخاطبه بمر القول وأفحشه قائلا له : أنت بقر ، فلطف به الإمام وقابله ببسمات فياضة بالبشر قائلا له : لا ، أنا باقر ، فراح الكتابي يهاجم الإمام قائلا : أنت ابن الطباخة ، فتبسم الإمام ولم يثره هذا الاعتداء وقال له : ذاك حرفتها! ولم ينته الكتابي عن غيه بل تمادى فيه إلى أقصى حد ، وراح يهاجم الإمام ثانية قائلا : أنت ابن السوداء ، الزنجية ، البذية! ـ وما أفحشه من قول ـ ولم يغضب الإمام من هذا ولم يستفزه بل قابله باللطف قائلا : إن كنت صدقت غفر الله لها ، وإن كنت كذبت غفر الله لك. وبهت الكتابي وبهر من معالي أخلاق الإمام التي هي أخلاق الأصفياء والمخلصين لله تعالى فأعلن إسلامه (١) ورجع إلى الحق وترك الباطل.
وأترك هذه الصورة بدون تعليق أو إبداء رأي لتتحدث عن نفسها وترسم في ذهن القارئ المنهج الذي سار عليه الإمام الباقر (عليهالسلام) في حياته وفي معاملته لأهل الذمة والمسلمين جميعا.
ـ ومن تلك الصور الرائعة المدهشة من حلمه : أن شاميا كان يختلف إلى مجلسه في المسجد النبوي الشريف ، ويستمع إلى محاضراته ودروسه وقد أعجب بها أشد الإعجاب ، فاقبل يوما يشتد نحو الإمام الباقر (عليهالسلام) وقال له : يا محمد ، إنما أغشى مجلسك لا حبا مني إليك ولا أقول إن أحدا أبغض إلي منكم أهل البيت وأعلم أن طاعة الله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم ـ هكذا كان يتوهم ـ ولكني أراك رجلا فصيحا ، لك أدب وحسن لفظ فإنما أختلف إليك
__________________
(١) المناقب ، ابن شهرآشوب ، ٤ / ١٤٢+ أعيان الشيعة ، محسن الأمين ، ق ١ / ٤ / ٥٠٤+ حياة الإمام الباقر ، القرشي ، ١ / ١٢٠ ـ ١٢١.